السادس عشر
التنقل
وهو أنواع : إما من الأقرب إلى الأبعد ؛ كقوله تعالى : ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ( البقرة : 21 - 22 ) [ ص: 339 ] قدم ذكر المخاطبين على من قبلهم ، وقدم الأرض على السماء .
وكذلك قوله : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( آل عمران : 5 ) لقصد الترقي .
وقوله : قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ( المؤمنون : 86 ) .
وإما بالعكس كقوله في أول الجاثية : إن في السماوات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة ( الآية : 3 ، 4 ) .
وإما من الأعلى كقوله : شهد الله أنه لا إله إلا هو ( آل عمران : 18 ) .
وقوله : ما كنت تعلمها أنت ولا قومك ( هود : 49 ) .
وإما من الأدنى كقوله تعالى : ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ( التوبة : 121 ) .
وقوله : مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ( الكهف : 49 ) .
وقوله : لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) .
فإن قلت : لم لا اكتفى بنفي الأدنى ليعلم منه نفي الأعلى بطريق الأولى ؟ قلت : جوابه مما سبق من التقديم بالزمان .
وكقوله : ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ( المدثر : 31 ) الآية ، وبهذا يتبين فساد استدلال المعتزلة على تفضيل الملك على البشر بقوله : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ( النساء : 172 ) فإنهم زعموا أن سياقها يقتضي الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، إذ لا يحسن أن يقال : لا يستنكف فلان عن خدمتك ، ولا من دونه ؛ بل ولا من فوقه .
وجوابه أن هؤلاء لما عبدوا المسيح واعتقدوا فيه الولدية لما فيه من القدرة على [ ص: 340 ] الخوارق والمعجزات ؛ من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص وغيره ، ولكونه خلق من غير أب . والتزهيد في الدنيا وغالب هذه الأمور هي للملائكة أتم ، وهم فيها أقوى ، فإن كانت هذه الصفات أوجبت عبادته فهو مع هذه الصفات لا يستنكف عن عبادة الله ، بل ولا من هو أكبر منه في هذه الصفات ؛ للترقي من الأدنى إلى الأعلى في المقصود ، ولم يلزم منه الشرف المطلق والفضيلة على المسيح .