وضع الخبر موضع الطلب  
أي في الأمر والنهي  
 كقوله تعالى :  والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين      ( البقرة : 233 ) .  
والمطلقات يتربصن      ( البقرة : 228 ) .  
سلام عليكم      ( الرعد : 24 ) .  
اليوم يغفر الله لكم      ( يوسف : 92 ) .  
وقوله :  فكفارته إطعام عشرة مساكين      . . . ( المائدة : 89 ) الآية ، ولهذا جعلها العلماء من أمثلة الواجب .  
" فلا رفث ولا فسوق " ( البقرة : 197 ) على قراءة الرفع أي : لا ترفثوا ولا تفسقوا .  
وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله      ( البقرة : 272 ) قالوا : هو خبر ، وتأويله : نهي ، أي : لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله ، كقوله :  لا يمسه إلا المطهرون      ( الواقعة : 79 ) وكقوله :  لا تضار والدة بولدها      ( البقرة : 233 ) على قراءة الرفع . وقيل : إنه نهي مجزوم ، أعني قوله : لا يمسه ( الواقعة : 79 ) ولكن ضمت إتباعا للضمير ؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم - :  إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم     .  
 [ ص: 410 ] وقوله :  وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله      ( البقرة : 83 ) ضمن ( لا تعبدون ) معنى ( لا تعبدوا ) بدليل قوله بعده :  وقولوا للناس حسنا      ( البقرة : 83 ) وبه يزول الإشكال في عطف الإنشاء على الخبر . لكن إن كان " حسنا " معمولا لـ " أحسنوا " فعطف " قولوا " عليه أولى ؛ لاتفاقهما لفظا ومعنى ، وإن كان التقدير " ويحسنون " فهو الذي قبله ، والعطف على القريب أولى ، وقيل : إن ( لا تعبدون ) أبلغ من صريح النهي ؛ لما فيه من إيهام أن المنهي يسارع إلى الانتهاء ، فهو مخبر عنه .  
وكذا قوله :  وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم      ( البقرة : 84 ) في موضع " لا تسفكوا " .  
وقوله في سورة الصف  وبشر المؤمنين      ( الآية : 13 ) عطفا على قوله :  تؤمنون بالله ورسوله      ( الصف : 11 ) ولهذا جزم الجواب .  
وقوله :  إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون      ( يس : 55 ) إلى قوله :  وامتازوا اليوم      ( يس : 59 ) فإن المقام يشتمل على تضمين  إن أصحاب الجنة اليوم      ( يس : 55 ) معنى الطلب ، بدليل ما قبله :  فاليوم لا تظلم نفس شيئا      ( يس : 54 ) فإنه كلام وقت الحشر لوروده معطوفا بالفاء على قوله :  إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون      ( يس : 53 ) وعام لجميع الخلق لعموم قوله :  لا تظلم نفس شيئا      ( يس : 54 ) وإن الخطاب الوارد بعده على سبيل الالتفات ، وهو قوله :  ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون      ( يس : 54 ) خطاب عام لأهل المحشر ، فيكون قوله :  إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون      ( يس : 55 )      [ ص: 411 ] إلى قوله :  أيها المجرمون      ( يس : 59 ) مقيدا بهذا الخطاب لكونه تفصيلا لما أجمله :  ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون      ( يس : 54 ) وإن التقدير أن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر ، ثم جاء في التفسير أن قوله هذا :  إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون      ( يس : 55 ) يقال لهم حين يساق بهم إلى الجنة ، بتنزيل ما هو للتكوين منزلة الكائن ، أي : إن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر يئول حالهم إلى أسعد حال ، والتقدير حينئذ : ليمتازوا عنكم إلى الجنة " هكذا قرره  السكاكي  في " المفتاح " .  
قيل : وفيه نظر ؛ لأنها إذا كانت طلبية ومعناها أمر المؤمنين بالذهاب إلى الجنة ، فليكن الخطاب معهم لا مع أهل المحشر ؛ لأن الخطاب في التخيير هنا هو المأمور فيها .  
ولهذا قال بعضهم : إن تضمين أصحاب أهل الجنة للطلب ليس المراد منه أن الجملة نفسها طلبية ، بل معناه أن يقدر جملة إنشائية بعدها ، بخلاف قوله :  وقولوا للناس حسنا      ( البقرة : 83 ) .  
ومنه قوله تعالى :  تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون   يغفر لكم ذنوبكم      ( الصف : 11 - 12 ) فإنه يقال : كيف جاء الجزم في جواب الخبر ؟ وجوابه أنه لما كان في معنى الأمر جاز ذلك ؛ إذ المعنى : آمنوا وجاهدوا .  
وقال   ابن جني     : لا يكون : يغفر لكم ( الصف : 12 ) جوابا لـ ( هل أدلكم ) ( الصف : 10 ) وإن كان  أبو العباس  قد قاله ؛ قال  أبو علي     : لأن المغفرة تحصل بالإيمان لا بالدلالة . انتهى . وقد يقال : الدلالة سبب السبب .  
إذا علمت هذا فإنما يجيء الأمر بلفظ الخبر الحاصل تحقيقا لثبوته ، وأنه مما ينبغي أن يكون واقعا ولا بد ، وهذا هو المشهور .  
 [ ص: 412 ] وفيه طريقة أخرى نقلت عن  القاضي أبي بكر  وغيره ، وهي أن هذا خبر حقيقة غير مصروف عن جهة الخبرية ، ولكنه خبر عن حكم الله وشرعه ليس خبرا عن الواقع ، حتى يلزم ما ذكره من الإشكال ، وهو احتمال عدم وقوع مخبره ؛ فإن هذا إنما يلزم الخبر عن الواقع ؛ أما الخبر عن الحكم فلا ؛ لأنه لا يقع خلافه أصلا .  
				
						
						
