قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28905إذا اجتمع الحمل على اللفظ والمعنى بدئ باللفظ ثم بالمعنى ، هذا هو الجادة في القرآن كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا ( البقرة : 8 ) أفرد أولا باعتبار اللفظ ، ثم جمع ثانيا باعتبار المعنى ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وما هم بمؤمنين ( البقرة : 8 ) فعاد الضمير مجموعا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=11ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ( الطلاق : 11 ) فعاد الضمير من " يدخله " مفردا على لفظ " من "
[ ص: 441 ] ثم قال : " خالدين " ، وهو حال من الضمير .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم ( الأنعام : 25 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ( التوبة : 49 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ( التوبة : 75 ) إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله بخلوا به ( التوبة : 76 ) .
وقد يجري الكلام على أوله في الإفراد ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام الآيتين ، فكرر فيها ثمانية ضمائر ، كلها عائد على لفظ " من " ، ولم يرجع منها شيء على معناها مع أن المعنى على الكثرة .
وقد يقتصر على معناها في الجميع كقوله تعالى في سورة يونس :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=42ومنهم من يستمعون إليك ( يونس : 42 ) وما ذكرنا من البداءة باللفظ عند الاجتماع هو الكثير ، قال الشيخ
علم الدين العراقي : ولم يجئ في القرآن البداءة بالحمل على المعنى إلا في موضع واحد ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ( الأنعام : 139 ) فأنث " خالصة " حملا على معنى " ما " ثم راعى اللفظ فذكر ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139ومحرم على أزواجنا .
واعترض بعض الفضلاء وقال : إنما يتم ما قاله من البداءة بالحمل على المعنى في ذلك ؛ إذا كان الضمير الذي في الصلة التي هي ( في بطون هذه الأنعام ) يقدر مؤنثا ؛ أما إذا قدر مذكرا فالبداءة إنما هو بالحمل على اللفظ .
وأجيب بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28905اعتبار اللفظ والمعنى أمر يرجع إلى الأمور التقديرية ؛ لأن اعتبار الأمرين أو
[ ص: 442 ] أحدهما إنما يظهر في اللفظ ، وإذا كان كذلك صدق أنه إنما بدئ في الآية بالحمل على المعنى ، فيتم كلام
العراقي .
ونقل الشيخ
أبو حيان في " تفسيره " عن
ابن عصفور أن الكوفيين لا يجيزون
nindex.php?page=treesubj&link=28914الجمع بين الجملتين إلا بفاصل بينهما ، ولم يعتبر البصريون الفاصل ، قال : ولم يرد السماع إلا بالفاصل كما ذهب إليه الكوفيون ، ونازعه الشيخ
أثير الدين بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ( البقرة : 111 ) وقال : ألا تراه كيف جمع بين الجملتين دون فصل . انتهى .
والذي ذكره
ابن عصفور في " شرح المقرب " شرط الكوفيون في جواز اعتبار اللفظ بعد اعتبار المعنى الفصل ؛ فيجوزون : من يقومون اليوم وينظر في أمرنا إخوتنا ، ولا يجوزون : من يقومون وينظر في أمرنا إخوتنا ؛ لعدم الفصل ، وإنما ورد السماع بالفصل . انتهى .
وهذا يقتضي أن الكوفيين لا يشترطون
nindex.php?page=treesubj&link=28914الفصل عند اجتماع الجملتين ؛ إلا أن يقدم اعتبار المعنى ويؤخر اعتبار اللفظ كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى إنما بدئ فيه بالحمل على اللفظ .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب : إذا حمل على اللفظ جاز الحمل بعده على المعنى وإذا حمل على المعنى ضعف الحمل بعده على اللفظ ؛ لأن المعنى أقوى فلا يبعد الرجوع إليه بعد اعتبار اللفظ ، ويضعف بعد اعتبار المعنى القوي الرجوع إلى الأضعف .
[ ص: 443 ] وهذا معترض بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28914الاستقراء دل على أن اعتبار اللفظ أكثر من اعتبار المعنى ، وكثرة موارده تدل على قوله ؛ وأما العود إلى اللفظ بعد اعتبار المعنى فقد ورد به التنزيل ، كما ورد باعتبار المعنى بعد اعتبار اللفظ ، فثبت أنه يجوز الحمل على كل واحد منهما ، بعد الآخر من غير ضعف .
وأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=31ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها ( الأحزاب : 31 ) فقرأه الجماعة بتذكير " يقنت " حملا على لفظ " من " في التذكير . و ( تعمل ) بالتأنيث حملا على معناها لأنها للمؤنث ، وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي " يعمل " بالتذكير فيهما حملا على لفظها رعاية للمناسبة في المتعاطفين ، وتوجيه الجماعة أنه لما تقدم على الثاني صريح التأنيث في ( منكن ) حسن الحمل على المعنى .
وقال
أبو الفتح في " المحتسب " : لا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28910مراجعة اللفظ بعد انصرافه عنه إلى المعنى ، وقد يورد عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=36ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=37وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ( الزخرف : 36 - 37 ) ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حتى إذا جاءنا ( الزخرف : 38 ) فقد راجع اللفظ بعد الانصراف عنه إلى المعنى ، إلا أن يقال : إن الضمير في " جاء " يرجع إلى الكافر لدلالة السياق عليه لا إلى " من " .
ومنه الفرق بين : " أسقى " و " سقى " بغير همز ؛ لما لا كلفة معه في السقيا ، ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وسقاهم ربهم شرابا طهورا ( الدهر : 21 ) فأخبر أن السقيا في الآخرة لا يقع فيها كلفة ، بل جميع ما يقع فيها من الملاذ يقع فرصة وعفوا ، بخلاف ( أسقى ) بالهمزة ؛
[ ص: 444 ] فإنه لا بد فيه من الكلفة بالنسبة للمخاطبين كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وأسقيناكم ماء فراتا ( المرسلات : 27 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لأسقيناهم ماء غدقا ( الجن : 16 ) لأن الإسقاء في الدنيا لا يخلو من الكلفة أبدا .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون ( الحجر : 19 ) قال
أبو سلمة محمد بن بحر الأصبهاني في تفسيره : إنما خص الموزون بالذكر دون المكيل لأمرين :
أحدهما : أن غاية المكيل ينتهي إلى الموزون ؛ لأن سائر المكيلات إذا صارت قطعا دخلت في باب الموزون وخرجت عن المكيل ، فكان الوزن أعم من المكيل .
والثاني : أن في الموزون معنى المكيل ؛ لأن الوزن هو طلب مساواة الشيء بالشيء .
ومقايسته وتعديله به ، وهذا المعنى ثابت في المكيل ، فخص الوزن بالذكر لاشتماله على معنى المكيل .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15194الشريف المرتضى في " الغرر " : هذا خلاف المقصود ؛ بل المراد بالموزون القدر الواقع بحسب الحاجة ، فلا يكون ناقصا عنها ولا زائدا عليها زيادة مضرة .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما ( العنكبوت : 14 ) فذكر في مدة اللبث السنة ، وفي الانفصال العام ؛ للإشارة إلى أنه كان في شدائد في مدته كلها ،
[ ص: 445 ] إلا خمسين عاما قد جاءه الفرج والغوث ؛ فإن السنة تستعمل غالبا في موضع الجدب ، ولهذا سموا شدة القحط سنة .
قال
السهيلي : ويجوز أن يكون الله سبحانه قد علم أن عمره كان ألفا ؛ إلا أن الخمسين منها كانت أعواما ، فيكون عمره ألف سنة ينقص منها ما بين السنين الشمسية والقمرية في الخمسين خاصة ؛ لأن الخمسين عاما بحسب الأهلة أقل من خمسين سنة شمسية ، بنحو من عام ونصف .
وابن على هذا المعنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ( المعارج : 4 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5ألف سنة مما تعدون ( السجدة : 5 ) فإنه كلام ورد في موضع التكثير والتتميم بمدة ذلك اليوم ، والسنة أطول من العام .
قَاعِدَةٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28905إِذَا اجْتَمَعَ الْحَمْلُ عَلَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بُدِئَ بِاللَّفْظِ ثُمَّ بِالْمَعْنَى ، هَذَا هُوَ الْجَادَّةُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا ( الْبَقَرَةِ : 8 ) أَفْرَدَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ ، ثُمَّ جَمَعَ ثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( الْبَقَرَةِ : 8 ) فَعَادَ الضَّمِيرُ مَجْمُوعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=11وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ( الطَّلَاقِ : 11 ) فَعَادَ الضَّمِيرُ مِنْ " يُدْخِلْهُ " مُفْرَدًا عَلَى لَفْظِ " مَنْ "
[ ص: 441 ] ثُمَّ قَالَ : " خَالِدِينَ " ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=25وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ( الْأَنْعَامِ : 25 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=49وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ( التَّوْبَةِ : 49 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ( التَّوْبَةِ : 75 ) إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ( التَّوْبَةِ : 76 ) .
وَقَدْ يَجْرِي الْكَلَامُ عَلَى أَوَّلِهِ فِي الْإِفْرَادِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ الْآيَتَيْنِ ، فَكَرَّرَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ ضَمَائِرَ ، كُلُّهَا عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ " مَنْ " ، وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى مَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الْكَثْرَةِ .
وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَعْنَاهَا فِي الْجَمِيعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=42وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ( يُونُسَ : 42 ) وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْبَدَاءَةِ بِاللَّفْظِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ هُوَ الْكَثِيرُ ، قَالَ الشَّيْخُ
عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ : وَلَمْ يَجِئْ فِي الْقُرْآنِ الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا ( الْأَنْعَامِ : 139 ) فَأَنَّثَ " خَالِصَةٌ " حَمْلًا عَلَى مَعْنَى " مَا " ثُمَّ رَاعَى اللَّفْظَ فَذَكَّرَ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=139وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا .
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَالَ : إِنَّمَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ مِنَ الْبَدَاءَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ؛ إِذَا كَانَ الضَّمِيرُ الَّذِي فِي الصِّلَةِ الَّتِي هِيَ ( فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ ) يُقَدَّرُ مُؤَنَّثًا ؛ أَمَّا إِذَا قُدِّرَ مُذَكَّرًا فَالْبَدَاءَةُ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28910_28905اعْتِبَارَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَمْرٌ يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَمْرَيْنِ أَوْ
[ ص: 442 ] أَحَدِهِمَا إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَدَقَ أَنَّهُ إِنَّمَا بُدِئَ فِي الْآيَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى ، فَيَتِمُّ كَلَامُ
الْعِرَاقِيِّ .
وَنَقَلَ الشَّيْخُ
أَبُو حَيَّانَ فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنِ
ابْنِ عُصْفُورٍ أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إِلَّا بِفَاصِلٍ بَيْنَهُمَا ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْبَصْرِيُّونَ الْفَاصِلَ ، قَالَ : وَلَمْ يَرِدِ السَّمَاعُ إِلَّا بِالْفَاصِلِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ ، وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ
أَثِيرُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ( الْبَقَرَةِ : 111 ) وَقَالَ : أَلَا تَرَاهُ كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ دُونَ فَصْلٍ . انْتَهَى .
وَالَّذِي ذَكَرَهُ
ابْنُ عُصْفُورٍ فِي " شَرْحِ الْمُقَرَّبِ " شَرَطَ الْكُوفِيُّونَ فِي جَوَازِ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْفَصْلَ ؛ فَيُجَوِّزُونَ : مَنْ يَقُومُونَ الْيَوْمَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا ، وَلَا يُجَوِّزُونَ : مَنْ يَقُومُونَ وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا إِخْوَتُنَا ؛ لِعَدَمِ الْفَصْلِ ، وَإِنَّمَا وَرَدَ السَّمَاعُ بِالْفَصْلِ . انْتَهَى .
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يَشْتَرِطُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الْفَصْلَ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجُمْلَتَيْنِ ؛ إِلَّا أَنْ يُقَدَّمَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَيُؤَخَّرَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى إِنَّمَا بُدِئَ فِيهِ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ : إِذَا حُمِلَ عَلَى اللَّفْظِ جَازَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى ضَعُفَ الْحَمْلُ بَعْدَهُ عَلَى اللَّفْظِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَقْوَى فَلَا يَبْعُدُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ ، وَيَضْعُفُ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْقَوِيِّ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَضْعَفِ .
[ ص: 443 ] وَهَذَا مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ أَكْثَرُ مِنِ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى ، وَكَثْرَةُ مَوَارِدِهِ تَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ ؛ وَأَمَّا الْعَوْدُ إِلَى اللَّفْظِ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى فَقَدْ وَرَدَ بِهِ التَّنْزِيلُ ، كَمَا وَرَدَ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى بَعْدَ اعْتِبَارِ اللَّفْظِ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، بَعْدَ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=31وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا ( الْأَحْزَابِ : 31 ) فَقَرَأَهُ الْجَمَاعَةُ بِتَذْكِيرِ " يَقْنُتْ " حَمْلًا عَلَى لَفْظِ " مَنْ " فِي التَّذْكِيرِ . وَ ( تَعْمَلْ ) بِالتَّأْنِيثِ حَمْلًا عَلَى مَعْنَاهَا لِأَنَّهَا لِلْمُؤَنَّثِ ، وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ " يَعْمَلْ " بِالتَّذْكِيرِ فِيهِمَا حَمْلًا عَلَى لَفْظِهَا رِعَايَةً لِلْمُنَاسَبَةِ فِي الْمُتَعَاطِفَيْنِ ، وَتَوْجِيهُ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ عَلَى الثَّانِي صَرِيحُ التَّأْنِيثِ فِي ( مِنْكُنَّ ) حَسُنَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى .
وَقَالَ
أَبُو الْفَتْحِ فِي " الْمُحْتَسِبِ " : لَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28905_28910مُرَاجَعَةُ اللَّفْظِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى ، وَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=36وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=37وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ( الزُّخْرُفِ : 36 - 37 ) ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=38حَتَّى إِذَا جَاءَنَا ( الزُّخْرُفِ : 38 ) فَقَدْ رَاجَعَ اللَّفْظَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ عَنْهُ إِلَى الْمَعْنَى ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ : إِنَّ الضَّمِيرَ فِي " جَاءَ " يَرْجِعُ إِلَى الْكَافِرِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ لَا إِلَى " مَنْ " .
وَمِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ : " أَسْقَى " وَ " سَقَى " بِغَيْرِ هَمْزٍ ؛ لِمَا لَا كُلْفَةَ مَعَهُ فِي السُّقْيَا ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=21وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ( الدَّهْرِ : 21 ) فَأَخْبَرَ أَنَّ السُّقْيَا فِي الْآخِرَةِ لَا يَقَعُ فِيهَا كُلْفَةٌ ، بَلْ جَمِيعُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْمَلَاذِّ يَقَعُ فُرْصَةً وَعَفْوًا ، بِخِلَافِ ( أَسْقَى ) بِالْهَمْزَةِ ؛
[ ص: 444 ] فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْكُلْفَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُخَاطَبِينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=77&ayano=27وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ( الْمُرْسَلَاتِ : 27 )
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=16لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ( الْجِنِّ : 16 ) لِأَنَّ الْإِسْقَاءَ فِي الدُّنْيَا لَا يَخْلُو مِنَ الْكُلْفَةِ أَبَدًا .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=19وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ( الْحِجْرِ : 19 ) قَالَ
أَبُو سَلَمَةَ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ : إِنَّمَا خُصَّ الْمَوْزُونُ بِالذِّكْرِ دُونَ الْمَكِيلِ لِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ غَايَةَ الْمَكِيلِ يَنْتَهِي إِلَى الْمَوْزُونِ ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْمَكِيلَاتِ إِذَا صَارَتْ قِطَعًا دَخَلَتْ فِي بَابِ الْمَوْزُونِ وَخَرَجَتْ عَنِ الْمَكِيلِ ، فَكَانَ الْوَزْنُ أَعَمَّ مِنَ الْمَكِيلِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ فِي الْمَوْزُونِ مَعْنَى الْمَكِيلِ ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ هُوَ طَلَبُ مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ .
وَمُقَايَسَتُهُ وَتَعْدِيلُهُ بِهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي الْمَكِيلِ ، فَخُصَّ الْوَزْنُ بِالذِّكْرِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَعْنَى الْمَكِيلِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15194الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي " الْغُرَرِ " : هَذَا خِلَافُ الْمَقْصُودِ ؛ بَلِ الْمُرَادُ بِالْمَوْزُونِ الْقَدْرُ الْوَاقِعُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ ، فَلَا يَكُونُ نَاقِصًا عَنْهَا وَلَا زَائِدًا عَلَيْهَا زِيَادَةً مُضِرَّةً .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ( الْعَنْكَبُوتِ : 14 ) فَذَكَرَ فِي مُدَّةِ اللُّبْثِ السَّنَةَ ، وَفِي الِانْفِصَالِ الْعَامِ ؛ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ فِي شَدَائِدَ فِي مُدَّتِهِ كُلِّهَا ،
[ ص: 445 ] إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا قَدْ جَاءَهُ الْفَرَجُ وَالْغَوْثُ ؛ فَإِنَّ السَّنَةَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي مَوْضِعِ الْجَدْبِ ، وَلِهَذَا سَمُّوا شِدَّةَ الْقَحْطِ سَنَةً .
قَالَ
السُّهَيْلِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عُمْرَهُ كَانَ أَلْفًا ؛ إِلَّا أَنَّ الْخَمْسِينَ مِنْهَا كَانَتْ أَعْوَامًا ، فَيَكُونُ عُمُرُهُ أَلْفَ سَنَةٍ يَنْقُصُ مِنْهَا مَا بَيْنَ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ وَالْقَمَرِيَّةِ فِي الْخَمْسِينَ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ الْخَمْسِينَ عَامًا بِحَسْبِ الْأَهِلَّةِ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً شَمْسِيَّةً ، بِنَحْوٍ مِنْ عَامٍ وَنِصْفٍ .
وَابْنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=4فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ( الْمَعَارِجِ : 4 ) وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=5أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ ( السَّجْدَةِ : 5 ) فَإِنَّهُ كَلَامٌ وَرَدَ فِي مَوْضِعِ التَّكْثِيرِ وَالتَّتْمِيمِ بِمُدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَالسَّنَةُ أَطْوَلُ مِنَ الْعَامِ .