الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الثالث

لا بد فيها من ثلاثة أشياء أصول :

مستعار ، ومستعار منه وهو اللفظ ، ومستعار له وهو المعنى ، ففي قوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا ( مريم : 4 ) المستعار الاشتعال ، والمستعار منه النار ، والمستعار له الشيب ، والجامع بين المستعار منه والمستعار له مشابهة ضوء النهار لبياض الشيب .

وفائدة ذلك وحكمته وصف ما هو أخفى بالنسبة إلى ما هو أظهر ، وأصل الكلام أن يقال : واشتعل شيب الرأس ، وإنما قلب للمبالغة ؛ لأنه يستفاد منه عموم الشيب لجميع الرأس ، ولو جاء الكلام على وجهه لم يفد ذلك العموم ، ولا يخفى أنه أبلغ من قولك : كثر الشيب في الرأس ، وإن كان ذلك حقيقة المعنى ، والحق أن المعنى يعار أولا ، ثم بواسطته يعار اللفظ ، ولا تحسن الاستعارة إلا حيث كان الشبه مقررا بينهما ظاهرا ، وإلا فلا بد من التصريح بالشبه ، فلو قلت : رأيت نخلة أو خامة وأنت تريد مؤمنا ؛ إشارة إلى قوله : مثل المؤمن كمثل النخلة أو الخامة ، لكنت كالملغز .

ومن أحسن الاستعارة قوله تعالى : والصبح إذا تنفس ( التكوير : 18 ) وحقيقته " بدأ انتشاره " و " تنفس " أبلغ ؛ فإن ظهور الأنوار في المشرق من أشعة الشمس قليلا قليلا بينه وبين إخراج النفس مشاركة شديدة .

[ ص: 486 ] وقوله : الليل نسلخ منه النهار ( يس : 37 ) لأن انسلاخ الشيء عن الشيء أن يبرأ منه ويزول عنه حالا فحالا ، كذلك انفصال الليل عن النهار ؛ والانسلاخ أبلغ من الانفصال لما فيه من زيادة البيان .

وقوله : أحاط بهم سرادقها ( الكهف : 29 ) .

سنسمه على الخرطوم ( القلم : 16 ) .

وقوله : كأنهم حمر مستنفرة ( المدثر : 50 ) ويقولون للرجل المذموم : إنما هو حمار .

وقوله : والتفت الساق بالساق ( القيامة : 29 ) .

أئنا لمردودون في الحافرة ( النازعات : 10 ) أي : في الخلق الجديد .

بل ران على قلوبهم ( المطففين : 14 ) .

خلقنا الإنسان في كبد ( البلد : 4 ) . أي : ضيق وشدة .

لنسفعن بالناصية ( العلق : 15 ) .

وامرأته حمالة الحطب ( المسد : 4 ) .

وقوله : فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين ( الدخان : 29 ) .

ويتخطف الناس من حولهم ( العنكبوت : 67 ) .

ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( الشعراء : 225 ) .

ألا إنما طائرهم عند الله ( الأعراف : 131 ) والمراد حفظهم وما يحصل لهم .

وقوله تعالى : أقم الصلاة ( الإسراء : 78 ) أي : أتمها كما أمرت .

إن ربك أحاط بالناس ( الإسراء : 60 ) أي : عصمك منهم ، رواه شعبة عن أبي رجاء عن الحسن .

[ ص: 487 ] وإنه في أم الكتاب ( الزخرف : 4 ) .

وعنده مفاتح الغيب ( الأنعام : 59 ) .

ولما سكت عن موسى الغضب ( الأعراف : 154 ) .

فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ( الإسراء : 12 ) .

بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( الأنبياء : 18 ) فالدمغ والقذف مستعار .

فضربنا على آذانهم ( الكهف : 11 ) يريد : لا إحساس بها من غير صمم .

وقوله : فاصدع بما تؤمر ( الحجر : 94 ) فإنه أبلغ من " بلغ " وإن كان بمعناه ؛ لأن تأثير الصدع أبلغ من تأثير التبليغ ، فقد لا يؤثر التبليغ ، والصدع يؤثر جزما .

التالي السابق


الخدمات العلمية