وإذا تؤمل كان من أكمل المقابلات ؛ ولذلك أمثلة : قد يجيء نظم الكلام على غير صورة المقابلة في الظاهر ؛
منها قوله تعالى : إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ( طه : 118 ، 119 ) فقابل الجوع بالعري والظمأ بالضحى ، والواقف مع الظاهر ربما يحيل أن الجوع يقابل بالظمأ ، والعري بالضحى .
والمدقق يرى هذا الكلام في أعلى مراتب الفصاحة ؛ لأن الجوع ألم الباطن ، والضحى موجب لحرارة الظاهر ، فاقتضت الآية جميع نفي الآفات ظاهرا وباطنا ، وقابل الخلو بالخلو ، والاحتراق بالاحتراق ، وهاهنا موضع الحكاية المشهورة بين وسيف الدولة ، لما أنشده : المتنبي
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
ومنها قوله تعالى : مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( هود : 24 ) [ ص: 511 ] فإنه قد يتبادر فيه سؤال ، وهو أنه لم لا قيل : " مثل الفريقين كالأعمى والبصير والأصم والسميع " لتكون المقابلة في لفظ الأعمى وضده بالبصير ، وفي لفظ الأصم وضده بالسميع ؟والجواب أنه يقال : لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد السمع ، وبضد ذلك لما ذكر انفتاح البصر أعقبه بانفتاح السمع ؛ فما تضمنته الآية الكريمة هو الأنسب في المقابلة ، والأتم في الإعجاز .