الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
التضمين

وهو إعطاء الشيء معنى الشيء ، وتارة يكون في الأسماء وفي الأفعال وفي الحروف ؛ فأما في الأسماء فهو أن تضمن اسما معنى اسم ؛ لإفادة معنى الاسمين جميعا ، كقوله تعالى : حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق ( الأعراف : 105 ) ضمن " حقيق " معنى " حريص " ليفيد أنه محقوق بقول الحق وحريص عليه .

وأما الأفعال فأن تضمن فعلا معنى فعل آخر ، ويكون فيه معنى الفعلين جميعا ، وذلك بأن يكون الفعل يتعدى بحرف ، فيأتي متعديا بحرف آخر ليس من عادته التعدي به ، فيحتاج إما إلى تأويله أو تأويل الفعل ليصح تعديه به .

واختلفوا أيهما أولى ؟ فذهب أهل اللغة وجماعة من النحويين إلى أن التوسع في الحرف وأنه واقع موقع غيره من الحروف أولى .

وذهب المحققون إلى أن التوسع في الفعل وتعديته بما لا يتعدى لتضمنه معنى ما يتعدى بذلك الحرف أولى ؛ لأن التوسع في الأفعال أكثر .

مثاله قوله تعالى : عينا يشرب بها عباد الله ( الإنسان : 6 ) فضمن " يشرب " معنى " يروي " ؛ لأنه لا يتعدى بالباء ، فلذلك دخلت الباء ، وإلا فـ " يشرب " يتعدى بنفسه ، فأريد باللفظ الشرب والري معا ، فجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظ واحد .

[ ص: 402 ] وقيل : التجوز في الحرف ، وهو الباء ، فإنها بمعنى ( من ) .

وقيل : لا مجاز أصلا ، بل العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء نفسه ؛ نحو : نزلت بعين ، فصار كقوله : مكانا يشرب به .

وعلى هذا : فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ( آل عمران : 188 ) قاله الراغب .

وهذا بخلاف المجاز ؛ فإن فيه العدول عن مسماه بالكلية ، ويراد به غيره ، كقوله تعالى : جدارا يريد أن ينقض ( الكهف : 77 ) فإنه استعمل " أراد " في معنى مقاربة السقوط ؛ لأنه من لوازم الإرادة ، وإن من أراد شيئا فقد قارب فعله ، ولم يرد باللفظ هذا المعنى الحقيقي الذي هو الإرادة ألبتة ، والتضمين أيضا مجاز ؛ لأن اللفظ لم يوضع للحقيقة والمجاز معا ، والجمع بينهما مجاز خاص ، يسمونه بالتضمين ؛ تفرقة بينه وبين المجاز المطلق .

ومن التضمين قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( البقرة : 187 ) لأنه لا يقال : رفثت إلى المرأة ، لكن لما كان بمعنى الإفضاء ساغ ذلك .

وهكذا قوله : هل لك إلى أن تزكى ( النازعات : 18 ) وإنما يقال : هل لك في كذا ؟ لكن المعنى : أدعوك إلى أن تزكى .

وقوله : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ( الشورى : 25 ) فجاء بـ " عن " لأنه ضمن التوبة معنى العفو والصفح .

وقوله : وإذا خلوا إلى شياطينهم ( البقرة : 14 ) وإنما يقال : خلوت به ، لكن ضمن " خلوا " معنى ذهبوا وانصرفوا ، وهو معادل لقوله : ( لقوا ) ( البقرة : 14 ) وهذا أولى من قول من قال : إن " إلى " هنا بمعنى الباء ، أو بمعنى ( مع ) .

[ ص: 403 ] وقال مكي : إنما لم تأت الباء ؛ لأنه يقال : خلوت به : إذا سخرت منه ، فأتى بـ " إلى " لدفع هذا الوهم .

وقوله : لأقعدن لهم صراطك المستقيم ( الأعراف : 16 ) قيل : ( الصراط ) منصوب على المفعول به ، أي : لأكرهن لهم صراطك ، أو لأمللنه لهم ، و " أقعد " وإن كان غير متعد ضمن معنى فعل متعد .

وقوله : ولا تعد عيناك عنهم ( الكهف : 28 ) ضمن " تعد " معنى ( تنصرف ) فعدي بـ " عن " ، قال ابن الشجري : ومن زعم أنه كان حق الكلام : " لا تعد عينيك عنهم " بالنصب ؛ لأن " تعد " متعد بنفسه ، فباطل ؛ لأن " عدوت " و " جاوزت " بمعنى واحد ، وأنت لا تقول : جاوز فلان عينه عن فلان ، ولو كانت التلاوة بنصب العين لكان اللفظ بنصبهما محمولا أيضا على : لا تصرف عينك عنهم . وإذا كان كذلك فالذي وردت به التلاوة من رفع العين يئول إلى معنى النصب فيها ؛ إذ كان ولا تعد عيناك بمنزلة " لا تنصرف " ومعناه : لا تصرف عينك عنهم ، فالفعل مسند إلى العين ، وهو في الحقيقة موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال : ولا تعجبك أموالهم ( التوبة : 85 ) أسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى لا تعجب بأموالهم .

وقوله : أو لتعودن في ملتنا ( إبراهيم : 13 ) ضمن معنى " لتدخلن " أو " لتصيرن " وأما قول شعيب : وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء ( الأعراف : 89 ) [ ص: 404 ] فليس اعترافا بأنه كان فيهم ، بل مؤول على ما سبق ، وتأويل آخر وهو أن يكون من نسبة فعل البعض إلى الجماعة ، أو قاله على طريق المشاكلة لكلامهم ، وهذا أحسن .

وقوله : أن لا تشرك بي شيئا ضمن ( لا تشرك ) معنى : لا تعدل ، والعدل : التسوية ، أي : لا تسو به شيئا .

وقوله : وأخبتوا إلى ربهم ( هود : 23 ) ضمن معنى " أنابوا " فعدي بحرفه .

وقوله : إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ( القصص : 10 ) ضمن : لتبدي به ( القصص : 10 ) معنى : " تخبر به " أو " لتعلم " ليفيد الإظهار معنى الإخبار ؛ لأن الخبر قد يقع سرا غير ظاهر .

وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء : 79 ) جوز الزمخشري نصب مقاما على الظرف على تضمين ( يبعثك ) معنى ( يقيمك ) .

وقوله : فأجمعوا أمركم وشركاءكم ( يونس : 71 ) قال الفارسي : ومن قرأ " فأجمعوا " بالقطع أراد فأجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم ؛ كقوله :


متقلدا سيفا ورمحا

وقوله : حتى إذا فزع عن قلوبهم ( سبأ : 23 ) قال ابن سيده : عداه بـ " من " لأنه في معنى كشف الفزع .

وقوله : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( المائدة : 54 ) فإنه يقال : ذل له لا عليه ، ولكنه هنا ضمن معنى التعطف والتحنن .

وقوله : للذين يؤلون من نسائهم ( البقرة : 226 ) ضمن ( يؤلون ) ( البقرة : 226 ) معنى " يمتنعون " من وطئهن بالألية .

[ ص: 405 ] وقوله : لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ( الصافات : 8 ) أي : لا يصغون .

إن الذي فرض عليك القرآن ( القصص : 85 ) أي : أنزل .

فيما فرض الله له ( الأحزاب : 38 ) أي : أحل له .

ومطهرك من الذين كفروا ( آل عمران : 55 ) أي : مميزك .

إن الله لا يصلح عمل المفسدين ( يونس : 81 ) أي : لا يرضى .

فاستقيموا إليه ( فصلت : 6 ) أي : أنيبوا إليه وارجعوا .

هلك عني سلطانيه ( الحاقة : 29 ) أي : زال .

فليحذر الذين يخالفون عن أمره ( النور : 63 ) فإنه يقال : خالفت زيدا من غير احتياج لتعديه بالجار ، وإنما جاء محمولا على : ينحرفون ، أو : يزيغون .

ومثله تعدية " رحيم " بالباء في نحو : وكان بالمؤمنين رحيما ( الأحزاب : 43 ) حملا على ( رءوف ) في نحو : رءوف رحيم ( التوبة : 128 ) ألا ترى أنك تقول : " رأفت به " ولا تقول : " رحمت به " ، ولكن لما وافقه في المعنى تنزل منزلته في التعدية .

وقوله : إني لما أنزلت إلي من خير فقير ( القصص : 24 ) ضمن معنى : سائل .

الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ( المطففين : 2 ) قال الزمخشري : ضمن معنى " تحاملوا " فعداه بـ " على " والأصل فيه " من " .

التالي السابق


الخدمات العلمية