الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
التورية

وتسمى الإيهام والتخييل والمغالطة والتوجيه ، وهي أن يتكلم المتكلم بلفظ مشترك بين معنيين قريب وبعيد ، ويريد المعنى البعيد ، يوهم السامع أنه أراد القريب ؛ مثاله قوله تعالى : والنجم والشجر يسجدان ( الرحمن : 6 ) أراد بالنجم النبات الذي لا ساق له ، والسامع يتوهم أنه أراد الكوكب ، لا سيما مع تأكيد الإيهام بذكر الشمس والقمر .

وقوله : وهو قائم يصلي في المحراب ( آل عمران : 39 ) والمراد المعرفة .

وقوله : وجوه يومئذ ناعمة ( الغاشية : 8 ) أراد بها في نعمة وكرامة ، والسامع يتوهم أنه أراد من النعومة .

وقوله : والسماء بنيناها بأيد ( الذاريات : 47 ) أراد بالأيد القوة الخارجة .

وقوله : ويطوف عليهم ولدان مخلدون ( الإنسان : 19 ) أي : مقرطون تجعل في آذانهم القرطة ، والحلق الذي في الأذن يسمى قرطا وخلدة ، والسامع يتوهم أنه من الخلود .

وقوله : ويدخلهم الجنة عرفها لهم ( محمد : 6 ) أي : علمهم منازلهم فيها أو يوهم إرادة العرف الذي هو الطيب .

وقوله : وما علمتم من الجوارح مكلبين ( المائدة : 4 ) .

وقوله : يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات ( التوبة : 21 ) فذكر ( رضوان ) مع الجنات مما يوهم إرادة خازن الجنات .

وكان الأنصار يقولون : راعنا . أي : أرعنا سمعك وانظر إلينا ، والكفار يقولونها " فاعل " من الرعونة . وقال أبو جعفر : هي بالعبرانية ، فلما عوتبوا [ ص: 494 ] قالوا : إنما نقول مثل ما يقول المسلمون ، فنهي المسلمون عنها .

وقوله : وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ( الشورى : 28 ) فقوله : ( الولي ) هو من أسماء الله تعالى ، ومعناه الولي لعباده بالرحمة والمغفرة ، وقوله : ( الحميد ) يحتمل أن يكون من " حامد " لعباده المطيعين ، أو " محمود " في السراء والضراء ، وعلى هذا فالضمير راجع إلى الله سبحانه ، ويحتمل أن يكون الولي من أسماء المطر ، وهو مطر الربيع ، والحميد بمعنى المحمود ، وعلى هذا فالضمير عائد على الغيث .

وقوله : اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه ( يوسف : 42 ) فإن لفظة ( ربك ) رشحت لفظة " ربه " ؛ لأن تكون تورية ، إذ يحتمل أنه أراد بها الإله سبحانه والملك ، فلو اقتصر على قوله : فأنساه الشيطان ذكر ربه ( يوسف : 42 ) لم تدل لفظة " ربه " إلا على الإله ، فلما تقدمت لفظة " ربك " احتمل المعنيين .

تنبيه

كثيرا ما تلتبس التورية بالاستخدام ، والفرق بينهما أن التورية استعمال أحد المعنيين في اللفظ وإهمال الآخر ، وفي الاستخدام استعمالهما معا بقرينتين .

وحاصله أن المشترك إن استعمل في مفهومين معا فهو الاستخدام ؛ وإن أريد أحدهما مع لمح الآخر باطنا فهو التورية .

ومثال الاستخدام قوله تعالى : لكل أجل كتاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت ( الرعد : 38 - 39 ) فإن لفظة " كتاب " يراد بها الأمد المحتوم والمكتوب ، وقد توسطت بين [ ص: 495 ] لفظتين ، فاستخدمت أحد مفهوميها وهو الأمد ، واستخدمت ( يمحو ) المفهوم الآخر وهو المكتوب .

وقوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل ( النساء : 43 ) فإن الصلاة تحتمل إرادة نفس الصلاة ، وتحتمل إرادة موضعها ، فقوله : حتى تعلموا ( النساء : 43 ) استخدمت إرادة نفس الصلاة ، وقوله : إلا عابري سبيل ( النساء : 43 ) استخدمت إرادة موضعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية