الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
حذف الجملة

هي أقسام : قسم هي مسببة عن المذكور ، وقسم هي سبب له ، وقسم خارج عنها :

فالأول : كقوله تعالى : ليحق الحق ويبطل الباطل ( الأنفال : 8 ) فإن اللام الداخلة على الفعل لا بد لها من متعلق ، يكون سببا عن مدخول اللام ، فلما لم يوجد لها متعلق في الظاهر وجب تقديره ضرورة ، فيقدر : فعل ما فعل ليحق الحق .

والثاني : كقوله تعالى : فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ( البقرة : 60 ) فإن الفاء إنما تدخل على شيء مسبب عن شيء ، ولا مسبب إلا له سبب ، فإذا وجد المسبب ولا سبب له ظاهرا أوجب أن يقدر ضرورة ، فيقدر : فضربه فانفجر .

والثالث : كقوله تعالى : فنعم الماهدون ( الذاريات : 48 ) أي : نحن هم أو هم نحن .

وقد يكون المحذوف أكثر من جملة ؛ كقوله تعالى : فأرسلون يوسف . . . ( يوسف : 45 - 46 ) الآية ، فإن التقدير : " فأرسلون إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ، فأرسلوه إليه لذلك ، فجاء فقال له : يا يوسف " وإنما قلنا : إن هذا الكل محذوف ؛ لأن قوله : أرسلون ( يوسف : 45 ) يدل لا محالة على المرسل إليه فثبت أن " إلى يوسف " محذوف . ثم إنه لما طلب الإرسال إلى يوسف عند العجز الحاصل للمعبرين عن تعبير رؤيا الملك دل ذلك على أن المقصود من طلب الإرسال إليه استعباره الرؤيا التي عجزوا عن تعبيرها ، ومنه قوله تعالى : اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم . . . ( النمل : 28 ) الآية ، فأعقب بقوله حكاية عنها : قالت ياأيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ( النمل : 29 ) [ ص: 265 ] تقديره : فأخذ الكتاب فألقاه إليهم ، فرأته بلقيس وقرأته ، وقالت يا أيها الملأ ( النمل : 29 ) .

وقوله : يايحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا ( مريم : 12 ) حذف يطول . تقديره : فلما ولد يحيى ونشأ وترعرع قلنا : يا يحيى خذ الكتاب بقوة ( مريم : 12 ) .

ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم موسى : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى قال ياهارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري ( طه : 91 ، 92 ، 93 ) .

وقوله : فلما رآه مستقرا عنده ( النمل : 40 ) إلى قوله : نكروا لها عرشها ( النمل : 41 ) .

وقوله : أفمن شرح الله صدره للإسلام ( الزمر : 22 ) أي : كمن قسا قلبه ترك على ظلمه وكفره ، ودل على المحذوف قوله : فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ( الزمر : 22 ) .

ومن حذف الجملة قوله تعالى : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ( البقرة : 30 ) قيل : المعنى : جاعل في الأرض خليفة يفعل كذا وكذا ، وإلا فمن أين علم الملائكة أنهم يفسدون ؟ وباقي الكلام يدل على المحذوف .

وقوله : أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( الحجرات : 12 ) قال الفارسي : المعنى : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله ( الحجرات : 12 ) عطف على قوله : " فاكرهوا " وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه ؛ كقوله تعالى : فانفجرت ( البقرة : 60 ) [ ص: 266 ] أي : فضرب فانفجرت . فقوله : " كرهتموه " كلام مستأنف ، وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الجواب ؛ لأن قوله : أيحب أحدكم ( الحجرات : 12 ) كأنهم قالوا في جوابه : لا ، فقال : فكرهتموه . أي : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة .

قال ابن الشجري : وهذا التقدير بعيد ؛ لأنه قدر المحذوف موصولا ، وهو " ما " المصدرية ، وحذف الموصول وإبقاء صلته ضعيف ؛ وإنما التقدير : فهذا كرهتموه ، والجملة المقدرة المحذوفة ابتدائية لا أمرية ، والمعنى : فهذا كرهتموه ، والغيبة مثله ، وإنما قدرها أمرية ليعطف عليها الجملة الأمرية في قوله : واتقوا الله ( الحجرات : 12 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية