وأيضا فقولكم -أحسن الله إليكم- : "لا أسلم أن المعتبرين من المحدثين منعوا تأويل المعتبرين من المتكلمين" ، أما الذين تعنون بالمعتبرين من المتكلمين لا يخلو : إما أن تريدوا بالمعتبرين ناسا معينين أو موصوفين ، فإن أردتم ناسا معينين فاذكروا من شئتم من جميع أعيان المتكلمين ، حتى أذكر لكم أن أقواما من أعيان المتكلمين ردوا عليه تلك التأويلات وأبطلوها ، فضلا عن أهل الحديث . بل سموا من شئتم ، حتى أبين أنه نفسه يرد بنفسه على نفسه ، وأنه . يتأول التأويل في كتاب ، ثم يمنعه أو يبطله في كتاب آخر ، وربما فعل ذلك في المصنف الواحد
وإن أردتم بالمعتبرين موصوفين ، مثل أن يقال : المعتبر من له بصر ثاقب وعلم بما يجوز ويجب ويمتنع على الله وما يسوغ في لسان العرب ، حتى يتأول بعقله وعلمه ومعرفته بالمعقولات والمسموعات تأويلا سائغا فهذا أوسع عليكم من الأول ، فإن المتكلمين أنواع مختلفة ، وكل منهم يرد على الآخر تأويلاته ويبطلها ويحرمها عليه ، بل كثير منهم يكفر الآخر ببعض تلك التأويلات ، حتى إن التلميذ منهم يكفر أستاذه . [ ص: 73 ]
وأهل الحديث موافقون لهم جميعهم في إنكار تلك التأويلات لا في إثبات شيء منها :
الجهمية والمعتزلة والفلاسفة يتأولون النصوص فيها تارة برؤية أفعال الله ، وتارة برؤية القلب الذي هو زيادة العلم ، فنفاة الرؤية من يردون ذلك وينكرونه . ومثبتو الرؤية من أهل الحديث والكلام
ومنكرو الكلام الحقيقي يتأولون "قال الله ويقول" بمعنى أنه أحدث في غيره كلاما خاطب به عباده ، ومثبتو الكلام الحقيقي من أهل الحديث والكلام يبطلون هذا التأويل ويحرمونه .