وأيضا فنحن نشاهد الهواء يستحيل ماء إذا وضع في الزجاج ، ونحوه ثلج صار عليه ماء يقطر ، ومعلوم أن الثلج لم يثقب الزجاج ، بل الهواء الذي أحاط به برد فاستحال ماء ، كما يحيل الله سحابا وماء . هذا مشهود ، يكون الإنسان على حيد ، فيرى البخار قد صعد من البحار فانعقد سحابا ، وينظر تحته وهو أعلى منه في الشمس على رأس الجبل . وكذلك الهواء يستحيل نارا ، فإذا قرب ذبالة المصباح إلى النار أوقد ، مع أنه لم يخرج من تلك النار شيء ، ولكن الهواء المحيط بالذبالة استحال نارا لما سخن سخونة شديدة . فالهواء يبرد فيستحيل ماء ، ويسخن فيستحيل نارا .
وكذلك ما يقدح النار ، قال تعالى : فالموريات قدحا ، وقال : أفرأيتم النار التي تورون الآيات ، وقال تعالى : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون . والعرب يقولون : "في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار" ، يأخذون عودين أخضرين يحكون أحدهما بالآخر حتى يسخن ، فإن الحركة [ ص: 173 ] توجب السخونة ، والسخونة تحصل بالحركة وبالنار وبالشعاع ، فإذا سخن انقدح منه نار باستحالة بعض تلك الأجزاء نارا ، وما كان هناك قبل هذا نار ، بل سبحانه يحدث النار عند باقية بعينها ، وهي جوهر يقوم بها الصورة كما يقوله من يقول ذلك من المتفلسفة ، فقوله خطأ ، بل المادة استحالت فخلق منها شيء آخر ، والأولى هلكت وأعدمها الله على هذا الوجه ، كما أوجد ما خلق منها على هذا الوجه . وقد بسط الكلام على هذا في موضع آخر .