وفي هذه السنة عبيد الله بن زياد على الخوارج اشتد
فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة ، وفي الحرب جماعة أخرى ، وممن قتل منهم صبرا عروة بن أدية .
وسبب ذلك أن ابن زياد خرج في رهان له ، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية ، فأقبل على ابن زياد ، فقال : خمس كن في الأمم [قبلنا ] ، فقد صرن فينا : أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين وذكر خصلتين نسيهما الراوي ، فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على مثل ذلك إلا ومعه جماعة من أصحابه ، فقام فركب وترك رهانه ، فقيل لعروة : ما صنعت ، والله ليقتلنك . فتوارى ، فطلبه ابن زياد فأتى الكوفة ، فأخذ به ابن زياد فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم دعاه فقال : كيف ترى ؟ قال : أرى أنك أفسدت دنياي وأفسدت آخرتك ، فقتله ، وأرسل إلى ابنيه فقتلهما .
وكان ابن زياد قد حبس مرداس بن أدية ، وكان السجان يرى عبادته واجتهاده ، فكان يأذن له في الليل فينصرف ، فإذا طلع الفجر أتاه فدخل السجن ، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة ، فعزم على قتلهم إذا أصبح ، فانطلق صديق لمرداس إلى منزله وأخبرهم ، فأرسلوا إليه ليعهد ، فسمع ذلك مرداس ، وبلغ الخبر صاحب السجن فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم مرداس الخبر فلا يرجع . فلما كان وقت رجوعه جاء ، فقال له السجان : هل علمت ما عزم عليه الأمير ؟ قال : نعم . فلما قدم ليقتل ، وثب السجان - وكان ظئرا لعبيد الله - فأخذ بقدمه وقال : هبه لي ، وقص عليه القصة ، فوهبه له [ ص: 296 ] وأطلقه ، فخرج مرداس في أربعين رجلا إلى الأهواز فبعث ابن زياد إليهم جيشا .