الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقتل عثمان يوم الجمعة قبل غروب الشمس لثماني عشرة من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يوسف الصياد ، قال: أخبرنا أحمد بن يوسف بن خلاد ، قال: حدثنا الحارث بن محمد ، قال: حدثنا يعقوب بن القاسم الطلحي ، قال: حدثنا الوليد ، قال: [ ص: 56 ] حدثنا الأوزاعي ، عن محمد بن عبد الملك ، عن المغيرة بن شعبة ، أنه قال لعثمان حين حصر: إنه قد نزل من الأمر ما ترى ، فاختر واحدة من ثلاث: إن شئت أن نفتح لك بابا سوى الباب الذي هم عليه فتقعد على رواحلك فتلحق بمكة فلن يستحلوك بها ، وإن شئت أن تلحق الشام وفيها معاوية ، وإن شئت خرجت بمن معك فقاتلناهم فإنا على الحق وهم على الباطل . فقال عثمان : أما قولك آتي إلى مكة ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يلحد بمكة رجل من قريش عليه نصف عذاب الأمة" فلن أكونه .

وأما أن آتي إلى الشام ، فلن أكون لأدع دار هجرتي ومجاورة نبي الله صلى الله عليه وسلم وآتي الشام .

وأما قولك إني أخرج بمن معي أقاتلهم فلن أكون أول من يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم .

وروى الواقدي ، عن أشياخ له ، عن محمد بن مسلمة ، قال: خرجت في نفر من قومي إلى المصريين ، فعظمت حق عثمان وما في رقابهم من البيعة ، وخوفتهم الفتنة ، وأنه ينزع عن هذه الأمة الخصال التي نقمتم عليه ، وأنا ضامن لذلك . قال القوم:

فإن لم ينزع؟ قلت: فأمركم إليكم .

فانصرف القوم وهم راضون ، ورجعت إلى عثمان ، فقلت: أخلني ، فأخلاني ، فقلت: الله الله يا عثمان في نفسك ، إن هؤلاء القوم إنما قدموا يريدون دمك ، وأنت ترى خذلان أصحابك لك ، فأعطاني الرضا وجزاني خيرا .

ثم خرجت من عنده ، فأقمت ما شاء الله فيهم ، فعادوا له فقال لي: ارجع إليهم فارددهم ، قلت: لا والله ، لأني ضمنت لهم أمورا [تنزع عنها] فلم تنزع عن حرف واحد منها . فقال له: الله المستعان .

وجاءني ابن عديس وسودان ، فقالا: ألم تعلم أنك زعمت أن صاحبنا نازع عما [ ص: 57 ] نكره؟ قلت: بلى فأخرجوا صحيفة صغيرة ، وإذا قصبة من رصاص ، فقالوا: وجدنا جملا من إبل الصدقة عليه غلام عثمان ، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذا الكتاب:

أما بعد ، فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة جلدة ، واحلق رأسه ولحيته وأطل حبسه حتى يأتيك أمري ، وعمرو بن الحمق فافعل به مثل ذلك ، وسودان مثل ذلك ، وعروة مثل ذلك .

قلت: وما يدريكم أن عثمان كتب هذا؟ قالوا: فيفتات مروان على عثمان بهذا ، فهذا أشر ، فيخرج نفسه من هذا الأمر . ودخل علي على عثمان فأخبره بما وجدوا في الكتاب ، فجعل يقسم بالله ما كتب به ولا علم ولا شور .

قال ابن مسلمة: إنه لصادق ، ولكن هذا عمل مروان ، فقال علي: أدخلهم إليك واعتذر إليهم ، فدخلوا فما سلموا عليه بالخلافة ، بل قالوا: سلام عليكم ، فقلنا: وعليكم السلام ، فقدموا في كلامهم ابن عديس ، فذكر له أشياء من فعله ، وقالوا: قد رحلنا نريد دمك فردنا علي ، ومحمد بن مسلمة ، وضمن لنا ابن مسلمة النزوع عما نقمناه ، فرجعنا إلى بلادنا ، فوجدنا غلامك وكتابك وخاتمك إلى عاملك بجلد ظهورنا والمثل بنا ، فقال عثمان : والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت ، قالوا: أيكتب مثل هذا غيرك؟ فليس مثلك يلي ، اخلع نفسك ، فقال: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عز وجل . فخرج الكل فحاصروه .

التالي السابق


الخدمات العلمية