الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
263 - عبد الله بن مسعود بن غافل- ويقال: عاقل - بن حبيب بن شمخ ، أبو عبد الرحمن:

ذكر محمد بن سعد نسبه فقال: ابن غافل بالغين والفاء . وذكره خليفة بن خياط ، فقال: عاقل بالعين والقاف . وذكره محمد بن إسحاق صاحب المغازي فقال: [ ص: 30 ] عبد الله بن مسعود بن الحارث بن شمخ ، ولم يذكر ما بين ذلك من الأسماء .

وأمه أم عبد بنت عبد [ود بن سواء بن قريم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ، وأمها هند بنت عبد بن] الحارث بن زهرة .

أسلم بمكة قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزار ، قال: حدثنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيوية ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: حدثنا عفان ، قال: حدثنا حماد بن سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن عبد الله بن مسعود ، قال: كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين ، فقالا: يا غلام هل عندك من لبن تسقينا؟ فقلت: إني مؤتمن ولست بسامتكما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟ " قلت: نعم ، فأتيتهما بها ، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ثم مسح الضرع ودعا فجفل الضرع ، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فاحتلب فيها ، فشرب أبو بكر ثم شربت ، ثم قال للضرع: اقلص ، فقلص . قال: فأتيته بعد ذلك فقلت: علمني من هذا القول ، قال: "إنك غلام فتعلم" ، فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد .

هاجر ابن مسعود إلى الحبشة الهجرتين ، ثم إلى المدينة ، وشهد بدرا ، وضرب عنق أبي جهل بعد أن أثبته ابنا عفراء ، [وشهد] المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان صاحب سره ووساده وسواكه ونعليه وطهوره في السفر ، كان يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ، ثم يمشي أمامه بالعصا حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا ، فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه ثم مشى بالعصا أمامه . [ ص: 31 ] وكان يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل ، ويوقظه إذا نام ، ويمشي معه في الأرض ، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذنك علي أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك" .

وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه وسمته ، وكان خفيف اللحم قصيرا شديد الأدمة ، وكان من أجود الناس ثوبا وأطيبهم ريحا ، كان يعرف بالليل بريح الطيب ، وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد " . وقال فيه عمر رضي الله عنه: كنيف ملئ علما .

وبعثه إلى أهل الكوفة ليقرئهم القرآن ويعلمهم الأحكام ، وكتب إليه: إني والله الذي لا إله إلا هو آثرتكم به على نفسي فخذوا منه ، فبث فيهم الفقه .

وكان من كبار أصحابه : الأسود بن يزيد ، وعلقمة بن قيس ، والربيع بن خثيم ، وزيد بن وهب ، والحارث بن قيس ، وأبو وائل ، وزر بن حبيش وغيرهم . وكان أبو موسى يقول: لا تسألوني عن شيء وهذا الخير فيكم . وولي قضاء الكوفة وبيت مالها لعمر وصدرا من خلافة عثمان ، رضي الله عنهما ، ثم صار إلى المدينة فمات بها في هذه السنة ، ودفن بالبقيع .

أخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار ، قال: أخبرني أبي ، قال: أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، قال: أخبرني عبد الله بن زيدان ، قال: أخبرنا محمد بن طريف ، قال: حدثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال: قال عبد الله:

والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم أين نزلت وألم فيما نزلت ، ولو أعلم أن أحدا أعلم مني بكتاب الله تناله المطي لأتيته .

أخبرنا ابن عبد الباقي ، [أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، أخبرنا ابن معروف ، حدثنا ابن الفهم حدثنا] محمد بن سعد ، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل ، قال: حدثنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عبد الله قال: [ ص: 32 ] حدث يوما حديثا ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أرعد وأرعدت ثيابه ، ثم قال: أو نحو ذا أو شبه ذا .

قال ابن سعد: وأخبرنا الفضل بن دكين ، قال: أخبرنا قيس بن الربيع ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله: أنه كان يصوم يوم الاثنين والخميس .

قال الفضل: وحدثنا زهير بن معاوية ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، قال: ما رأيت فقيها أقل صوما من عبد الله ، فقيل له: لم لا تصوم؟ فقال: إني أختار الصلاة عن الصوم ، فإذا صمت ضعفت عن الصلاة .

قال المصنف: أوصى ابن مسعود إلى الزبير وابنه عبد الله أن يكفن في حلة بمائتي درهم ، وقال: ادفنوني عند قبر عثمان بن مظعون ، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، واختلفوا فيمن صلى عليه على ثلاثة أقوال: أحدها: عثمان ، والثاني: عمار ، ذكرهما الواقدي ، والثالث الزبير ، ذكره خليفة بن خياط ، والأول أصح .

التالي السابق


الخدمات العلمية