الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
399 - قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة ، أبو عبيد الله :

دفعه أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخدمه ، فكان قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان جوادا شجاعا ، وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه ، وولاه علي بن أبي طالب على إمارة مصر ، وحضر معه حرب الخوارج بالنهروان ، ووقعة صفين ، وكان مع الحسن بن علي على مقدمته بالمدائن ، ثم لما صالح الحسن معاوية وبايعه دخل قيس في المصالحة ، وتابع الجماعة ورجع إلى المدينة فتوفي بها .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال : أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال : حدثنا عثمان بن أحمد قال : حدثنا حنبل بن إسحاق قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو قال :

كان قيس بن سعد رجلا ضخما جسيما صغير الرأس ، وكان إذا ركب الحمار حطت رجلاه في الأرض .

أخبرنا ابن الحصين قال : أخبرنا أبو طالب محمد بن غيلان قال : أخبرنا أبو بكر الشافعي قال : حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال : أخبرني محمد بن صالح ، عن ابن عمر قال : حدثنا داود بن قيس وإبراهيم بن محمد الأنصاري وخارجة بن الحارث قالوا :

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة في سرية فيها المهاجرون والأنصار ثلاثمائة رجل إلى ساحل البحر إلى حي من جهينة ، فأصابهم جوع شديد ، فقال قيس بن سعد : من يشتري مني تمرا بجزور ، ويوفيني الجزور ها هنا ، وأوفيه التمر بالمدينة فجعل عمر يقول : واعجبا لهذا الغلام ، لا مال له يدين في مال غيره . فوجد رجلا من جهينة يعطيه ما [ ص: 317 ] سأل وقال : والله ما أعرفك ، فمن أنت ؟ قال : أنا قيس بن سعد بن عبادة . قال الجهني : ما أعرفني بنسبك ، وابتاع منه خمس جزائر ، كل جزور بوسق من تمر . ثم قال : فأشهد لي فأشهد له نفرا من الأنصار والمهاجرين ، فكان فيمن أشهد عمر بن الخطاب . فقال عمر : لا أشهد هذا بدين ولا مال له ، إنما المال لأبيه . فقال الجهني : ما كان سعد ليمني بابنه في شقة من تمر وأرى وجها حسنا ، وفعلا شريفا . فكان بين عمر وقيس كلام حتى أغلظ لقيس ، وأخذ الجزر فنحرها لهم في مواطن ثلاث كل يوم جزورا ، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره فقال : أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك .

قال محمد : فحدثني محمد بن يحيى ، عن سهل ، عن أبيه ، عن رافع بن خديج قال : أقبل أبو عبيدة ومعه عمر ، فقال : عزمت عليك أن لا تتجر ، أتريد أن تخفر ذمتك فقال قيس : يا أبا عبيدة ، أترى أبا ثابت يقضي ديون الناس ، ويحمل الكل ، ويطعم في المجاعة ، لا يقضي عني شقة من تمر لقوم مجاهدين في سبيل الله . فكان أبو عبيدة يلين له ، وجعل يقول له : اعزم فعزم عليه ، وأبى أن ينحر وبقيت جزوران ، فقدم بها قيس المدينة ظهرا يتعاقبون عليها ، وبلغ سعدا ما أصاب القوم من المجاعة فقال : إن يكن قيس كما أعرف فينحر للقوم ، فلما قدم قيس لقيه سعد فقال : ما صنعت في القوم ؟ قال : نحرت . قال : أصبت ، ثم ماذا ؟ قال : نحرت . قال : أصبت ، ثم ماذا ؟ قال : نحرت . قال : أصبت ، ثم ماذا ؟ قال : نهيت . قال : من نهاك ؟ قال : أبو عبيدة أميري . قال : ولم ؟ قال : زعم أنه لا مال لي ، وإنما المال لك ، فقلت : أبي يقضي عن الأباعد ، ويحمل الكل ، ويطعم في المجاعة ، فلا يصنع هذا بي . قال : فلك أربع حوائط أدناها حائط تحمل خمسين وسقا .

قال : وقدم البدوي مع قيس فأوفاه وسقه وحمله وكساه ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل قيس ، فقال : "إنه في بيت جود "
.

قال علماء السير : مرض قيس بن سعد واستبطأ إخوانه في العيادة ، فقيل له : إنهم [ ص: 318 ] يستحيون مما لك عليهم من الدين . قال : أخزى [الله ] مالا يمنع الإخوان من الزيارة ، ثم أمر مناديا فنادى : من كان لقيس عليه حق فهو في حل . فكسرت درجته بالعشي من عيادته .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أحمد بن عمر بن عثمان قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير قال : حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدثنا أحمد بن بشير قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن عروة قال :

باع قيس بن سعد من معاوية مالا بتسعين ألفا ، فأمر مناديا فنادى في المدينة : من أراد القرض فليأت منزل قيس . فأقرض أربعين أو خمسين وأجاز الباقي ، وكتب على من أقرضه صكا ، فمرض مرضا قل عواده ، فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر : يا قريبة ، لم ترين قل عوادي ؟ قالت : للذي عليهم من الدين . فأرسل إلى كل رجل صكه .

وقال عروة : قال قيس بن سعد : اللهم ارزقني مالا وفعالا ، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال .

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أحمد بن علي قال : أخبرنا ابن بشران قال : حدثنا ابن صفوان قال : حدثنا ابن أبي الدنيا قال : حدثنا محمد بن سعد قال : قال الهيثم بن عدي :

توفي قيس بن سعد بن عبادة بالمدينة في آخر خلافة معاوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية