السابعة : في
nindex.php?page=treesubj&link=28905اجتماع التابع والمتبوع أنهم يقدمون المتبوع فيقولون : " أبيض ناصع " ، و " أصفر فاقع " ، و " أحمر قان " و " أسود غربيب " قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=69صفراء فاقع لونها ( البقرة : 69 ) والمعنى أن التبع فيه معنى زيادة الوصف ، فلو قدم لكان ذكر الموصوف بعده عيبا ; إلا أن يكون لمعنى أوجب تقديمه .
[ ص: 25 ] وقد أشكل على هذه القاعدة قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=27وغرابيب سود ( فاطر : 27 ) وهي من الآيات التي صدئت فيها الأذهان الصقيلة ، وعادت بها أسنة الألسنة مفلولة ، ومن جملة العجائب أن شيخا أراد أن يحتج على مدرس لما ذكر له هذا السؤال فقال : إنما ذكر السواد لأنه قد يكون في الغربان ما فيه بياض ، وقد رأيته ببلاد المشرق ! فلم يفهم من الآية إلا أن الغرابيب هو الغراب ، ولا قوة إلا بالله .
والذي يظهر في ذلك أن الموجب لتقديم الغرابيب هو تناسب الكلم وجريانها على نمط متساوي التركيب ، وذلك أنه لما تقدم البيض والحمر دون إتباع كان ، كان الأليق بحسن النسق وترتيب النظام أن يكون السود كذلك ، ولكنه لما كان في هذا " السود " هنا زيادة الوصف ، كان الأليق في المعنى أن يتبع بما يقتضي ذلك ، وهو الغرابيب ، فيقابل حظ اللفظ وحظ المعنى ، فوفى الخطاب وكمل الغرضان جميعا ، ولم يطرح أحدهما الآخر فيقع النقص من جهة الطرح ، وذلك بتقديم " الغرابيب " على " السود " فوقع في لفظ الغرابيب حظ المعنى في زيادة الوصف ، وفي ذكر السود مفردا من الإتباع حظ اللفظ ; إذ جاء مجردا عن صورة البيض والحمر ، فاتسقت الألفاظ كما ينبغي ، وتم المعنى كما يجب ، ولم يخل بواحدة من الوجهين ، ولم يقتصر على " الغرابيب " وإن كانت متضمنة لمعنى " السود " لئلا تتنافر الألفاظ ، فإن ضم الغربيب إلى البيض والحمر ولزها في قرن واحد :
كابن اللبون إذا ما لز في قرن
[ ص: 26 ] وذلك غير مناسب لتلاؤم الألفاظ وتشاكلها ، وبذكر السود وقع الالتئام ، واتسق نسق النظام ، وجاء اللفظ والمعنى في درجة التمام ، وهذا لعمر الله من العجائب التي تكل دونها العقول ، وتعيا بها الألسن لا تدري ما تقول ، والحمد لله .
ثم رأيت
أبا القاسم السهيلي أشار إلى معنى غريب ، فنقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11991أبي حنيفة الدينوري أن " الغربيب " اسم لنوع من العنب وليس بنعت ، قال : ومن هذا يفهم معنى الآية ، وسود عندي بدل لا نعت ، وإن كان " الغربيب " إذا أطلق لفظه ولم يقيد بذكر شيء موصوف قلما يفهم منه العنب الذي هو اسمه خاصة ، فمن ثم حسن التقييد .
السَّابِعَةُ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28905اجْتِمَاعِ التَّابِعِ وَالْمَتْبُوعِ أَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ الْمَتْبُوعَ فَيَقُولُونَ : " أَبْيَضُ نَاصِعٌ " ، وَ " أَصْفَرُ فَاقِعٌ " ، وَ " أَحْمَرُ قَانٍ " وَ " أَسْوَدُ غِرْبِيبٌ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=69صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا ( الْبَقَرَةِ : 69 ) وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّبَعَ فِيهِ مَعْنَى زِيَادَةِ الْوَصْفِ ، فَلَوْ قُدِّمَ لَكَانَ ذِكْرُ الْمَوْصُوفِ بَعْدَهُ عَيْبًا ; إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِمَعْنًى أَوْجَبَ تَقْدِيمَهُ .
[ ص: 25 ] وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=27وَغَرَابِيبُ سُودٌ ( فَاطِرٍ : 27 ) وَهِيَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي صَدِئَتْ فِيهَا الْأَذْهَانُ الصَّقِيلَةُ ، وَعَادَتْ بِهَا أَسِنَّةُ الْأَلْسِنَةِ مَفْلُولَةً ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَجَائِبِ أَنَّ شَيْخًا أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مُدَرِّسٍ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ : إِنَّمَا ذَكَرَ السَّوَادَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْغِرْبَانِ مَا فِيهِ بَيَاضٌ ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ ! فَلَمْ يَفْهَمْ مِنَ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ الْغَرَابِيبَ هُوَ الْغُرَابُ ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِتَقْدِيمِ الْغَرَابِيبِ هُوَ تَنَاسُبُ الْكَلِمِ وَجَرَيَانُهَا عَلَى نَمَطٍ مُتَسَاوِي التَّرْكِيبِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْبِيضُ وَالْحُمْرُ دُونَ إِتْبَاعٍ كَانَ ، كَانَ الْأَلْيَقُ بِحُسْنِ النَّسَقِ وَتَرْتِيبِ النِّظَامِ أَنْ يَكُونَ السُّودُ كَذَلِكَ ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي هَذَا " السُّودِ " هُنَا زِيَادَةُ الْوَصْفِ ، كَانَ الْأَلْيَقُ فِي الْمَعْنَى أَنْ يُتْبَعَ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَهُوَ الْغَرَابِيبُ ، فَيُقَابِلُ حَظَّ اللَّفْظِ وَحَظَّ الْمَعْنَى ، فَوَفَّى الْخِطَابَ وَكَمُلَ الْغَرَضَانِ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَطْرَحْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَقَعُ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الطَّرْحِ ، وَذَلِكَ بِتَقْدِيمِ " الْغَرَابِيبِ " عَلَى " السُّودِ " فَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْغَرَابِيبِ حَظُّ الْمَعْنَى فِي زِيَادَةِ الْوَصْفِ ، وَفِي ذِكْرِ السُّودِ مُفْرَدًا مِنَ الْإِتْبَاعِ حَظُّ اللَّفْظِ ; إِذْ جَاءَ مُجَرَّدًا عَنْ صُورَةِ الْبِيضِ وَالْحُمْرِ ، فَاتَّسَقَتِ الْأَلْفَاظُ كَمَا يَنْبَغِي ، وَتَمَّ الْمَعْنَى كَمَا يَجِبُ ، وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى " الْغَرَابِيبِ " وَإِنْ كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً لِمَعْنَى " السُّودِ " لِئَلَّا تَتَنَافَرَ الْأَلْفَاظُ ، فَإِنَّ ضَمَّ الْغِرْبِيبِ إِلَى الْبَيْضِ وَالْحُمْرِ وَلَزَّهَا فِي قَرْنٍ وَاحِدٍ :
كَابْنِ اللَّبُونِ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرْنٍ
[ ص: 26 ] وَذَلِكَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِتَلَاؤُمِ الْأَلْفَاظِ وَتَشَاكُلِهَا ، وَبِذِكْرِ السُّودِ وَقَعَ الِالْتِئَامُ ، وَاتَّسَقَ نَسَقُ النِّظَامِ ، وَجَاءَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي دَرَجَةِ التَّمَامِ ، وَهَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي تَكِلُّ دُونَهَا الْعُقُولُ ، وَتَعْيَا بِهَا الْأَلْسُنُ لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
ثُمَّ رَأَيْتُ
أَبَا الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيَّ أَشَارَ إِلَى مَعْنًى غَرِيبٍ ، فَنَقَلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11991أَبِي حَنِيفَةَ الدَّيْنَوَرِيِّ أَنَّ " الْغِرْبِيبَ " اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنَ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِنَعْتٍ ، قَالَ : وَمِنْ هَذَا يُفْهَمُ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَسُودٌ عِنْدِي بَدَلٌ لَا نَعْتٌ ، وَإِنْ كَانَ " الْغِرْبِيبُ " إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِذِكْرِ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ قَلَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِنَبُ الَّذِي هُوَ اسْمُهُ خَاصَّةً ، فَمِنْ ثَمَّ حَسُنَ التَّقْيِيدُ .