وقوله تعالى : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء ( البقرة : 105 ) ; لأن إنزال الخير هنا سبب للربوبية ، وأعاده بلفظ " الله " لأن تخصيص الناس بالخير دون غيرهم مناسب للإلهية ; لأن دائرة الربوبية أوسع .
ومثله وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ( الزمر : 74 ) كما سبق .
ومن فوائده التلذذ بذكره وتعظيم المنة بالنعمة .
ومن فوائده : قصد الذم وجعل قوله تعالى : الزمخشري يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ( النبأ : 40 ) فقال : المرء هو الكافر وهو ظاهر ، وضع موضع الضمير لزيادة الذم .
وقال ابن عبد السلام في قوله تعالى : [ ص: 75 ] سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ( المنافقون : 6 ) إن الفاسقين يراد بهم المنافقون ، ويكون قد أقام الظاهر مقام المضمر والتصريح بصفة الفسق سبب لهم ، ويجوز أن يكون المراد العموم لكل فاسق ويدخل فيه المنافقون دخولا أوليا ، وكذا سائر هذه النظائر .
وليس من هذا الباب قوله تعالى : إن تكونوا صالحين ( الإسراء : 25 ) أي : في معاملة الأبوين فإنه كان للأوابين غفورا ( الإسراء : 25 ) .
وقوله تعالى : من كان عدوا لجبريل ( البقرة : 97 ) إلى قوله : فإن الله عدو للكافرين ( البقرة : 98 ) .
وكذلك كل ما فيه شرط ; فإن الشروط أسباب ، ولا يكون الإحسان للوالدين سببا لغفران الله لكل تائب ; لأنه يلزم أن يثاب غير الفاعل بفعل غيره ; وهو خلاف الواقع ، وكذلك معاداة بعض الكفرة لا يكون سببا لمعاداة كل كافر ، فتعين في هذه المواضع أن يكون من باب إقامة الظاهر مقام المضمر ليس إلا .
الثاني : قد مر أن نحو سؤال وضع الظاهر موضع المضمر حقه أن يكون في الجملة الواحدة ; الحاقة ما الحاقة ( الحاقة : 1 - 2 ) فأما إذا وقع في جملتين فأمره سهل ، وهو أفصح من وقوعه في الجملة الواحدة ; لأن الكلام جملتان ، فحسن فيهما ما لا يحسن في الجملة الواحدة ، ألا ترى إلى قوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا
[ ص: 76 ] فتكرار " الموت " في عجز البيت أوسع من تكراره في صدره ; لأنا إذا عللنا هذا إنما نقول : أعاد الظاهر موضع المضمر لما أراد من تعظيم الموت وتهويل أمره ، فإذا عللها مكررة في عجزه عللناه بهذا ، وبأن الكلام جملتان .إذا علمت هذا فمثاله في الجملتين كقوله تعالى : واتقوا الله ويعلمكم الله ( البقرة : 282 ) وقوله : إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ( العنكبوت : 31 ) .
وقد أشكل الإظهار هاهنا ، والإضمار في المثل قوله إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين ( القصص : 32 ) .
وأجيب بأنه لما كان المراد في مدائن لوط إهلاك القرى صرح في الموضعين بذكر القرية التي يحل بها الهلاك ; كأنها اكتسبت الظلم معهم واستحقت الهلاك معهم ; إذ للبقاع تأثير في الطباع ، ولما كان المراد في قوم فرعون إهلاكهم بصفاتهم حيث كانوا ، ولم يهلك بلدهم ، أتى بالضمير العائد على ذواتهم من حيث هي من غير تعرض للمكان .
واعلم أنه متى طال الكلام حسن إيقاع الظاهر موضع المضمر ; كيلا يبقى الذهن متشاغلا بسبب ما يعود عليه اللفظ ، فيفوته ما شرع فيه ، كما إذا كان ذلك في ابتداء آية أخرى ; كقوله تعالى : قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ( البقرة : 140 ) الآية .
وقوله : وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ( البقرة : 143 ) .
وقوله : يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس ( النور : 35 ) .
وقوله : رجال لا تلهيهم تجارة ( النور : 37 ) الآية .