السادس
من الغيبة إلى الخطاب
كقوله : وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا ( مريم : 88 - 89 ) ولم يقل : " لقد جاءوا " للدلالة على أن من قال مثل قولهم ينبغي أن يكون موبخا عليه ، منكرا عليه قوله ، كأنه يخاطب به قوما حاضرين .
وقوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر ( مريم : 39 ) ثم قال : وإن منكم إلا واردها ( مريم : 71 ) .
وقوله : وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء ( الإنسان : 21 - 22 ) .
وقوله : فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم ( آل عمران : 106 ) .
وقوله : فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم ( التوبة : 35 ) .
وقوله : ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( الفرقان : 45 ) ثم قال : ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( الفرقان : 45 ) .
وقوله : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم ( البقرة : 6 ) الآية .
وقوله : وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا ( البقرة : 57 ) .
وقوله : إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ( الأحزاب : 50 ) .
وقوله : ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم ( الأنعام : 6 ) .
وقوله حكاية عن الخليل : اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ( العنكبوت : 16 - 17 ) [ ص: 389 ] إلى قوله : فما كان جواب قومه ( العنكبوت : 24 ) .
وقوله : إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز وبرزوا لله جميعا ( إبراهيم : 19 - 20 - 21 ) .
وقوله : واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ( الأعراف : 175 ) إلى قوله : فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ( الأعراف : 176 ) .
وقوله : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب الآية ( المائدة : 38 - 39 ) .
وجعل بعضهم منه قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ( المائدة : 6 ) وهو عجيب ؛ لأن " الذين " موصول لفظه ، ولا بد له من عائد ؛ وهو الضمير في " آمنوا " ، فكيف يعود ضمير مخاطب على غائب ؟ ! فهذا مما لا يعقل .
وقوله : مالك يوم الدين إياك نعبد ( الفاتحة : 4 - 5 ) فقد التفت عن الغيبة وهو : مالك ( الفاتحة : 4 ) إلى الخطاب وهو : إياك نعبد ( الفاتحة : 5 ) .
ولك أن تقول : إن كان التقدير : قولوا : الحمد لله ، ففيه التفاتان . أعني في الكلام المأمور به .
أحدهما : في لفظ الجلالة ، فإن الله تعالى حاضر ، فأصله : " الحمد لك " .
والثاني : إياك ( الفاتحة : 5 ) لمجيئه على خلاف الأسلوب السابق ، وإن لم يقدر " قولوا " كان في " الحمد لله " التفات عن التكلم إلى الغيبة ؛ فإن الله سبحانه حمد نفسه ، ولا يكون في ( إياك نعبد ) ( الفاتحة : 5 ) التفات ؛ لأن " قولوا " مقدرة معها قطعا ، فإما أن يكون في الآية التفاتين أو لا التفات بالكلية .