القسم الثالث والعشرون
nindex.php?page=treesubj&link=28914الاحتراس وهو أن يكون الكلام محتملا لشيء بعيد ، فيؤتى بما يدفع ذلك الاحتمال كقوله ; تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ( القصص : 32 ) فاحترس سبحانه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32من غير سوء عن إمكان أن يدخل في ذلك البهق والبرص .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ( المائدة : 54 ) فإنه لو اقتصر على وصفهم بالذلة - وهو السهولة - لتوهم أن ذلك لضعفهم ، فلما قيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أعزة على الكافرين ( المائدة : 54 ) علم أنها منهم تواضع ; ولهذا عدي " الذل " بعلى لتضمنه معنى العطف .
[ ص: 143 ] وكذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ( الفتح : 29 ) .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ( النمل : 18 ) فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18وهم لا يشعرون ( النمل : 18 ) احتراس بين أن من عدل
سليمان وفضله وفضل جنوده أنهم لا يحطمون نملة فما فوقها إلا بألا يشعروا بها .
وقد قيل : إنما كان تبسم
سليمان سرورا بهذه الكلمة منها ، ولذلك أكد التبسم بالضحك ; لأنهم يقولون : تبسم كتبسم الغضبان ; لينبه على أن تبسمه تبسم سرور .
ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25فتصيبكم منهم معرة بغير علم ( الفتح : 25 ) التفات إلى أنهم لا يقصدون ضرر مسلم .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وقيل بعدا للقوم الظالمين ( هود : 44 ) فإنه سبحانه لما أخبر بهلاك من هلك بالطوفان عقبهم بالدعاء عليهم ، ووصفهم بالظلم ; ليعلم أن جميعهم كان مستحقا للعذاب احتراس من ضعف يوهم أن الهلاك بعمومه ربما شمل من لا يستحق العذاب ، فلما دعا على الهالكين ووصفهم بالظلم علم استحقاقهم لما نزل بهم وحل بساحتهم ، مع قوله أولا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ( هود : 37 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28914وأعجب احتراس وقع في القرآن قوله تعالى مخاطبا لنبيه عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ( القصص : 44 ) الآية .
وقال حكاية عن
موسى nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وناديناه من جانب الطور الأيمن ( مريم : 52 ) فلما نفى سبحانه عن رسوله أن يكون بالمكان الذي قضى
لموسى فيه الأمر عرف المكان بالغربي ، ولم يقل في هذا الموضع : الأيمن كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وناديناه من جانب الطور الأيمن أدبا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينفى عنه كونه بالجانب الأيمن ، أو يسلب عنه لفظا مشتقا من اليمن ، أو مشاركا لمادته ، ولما أخبر عن
موسى عليه السلام ذكر الجانب الأيمن تشريفا
[ ص: 144 ] لموسى ; فراعى في المقامين حسن الأدب معهما ; تعليما للأمة ، وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( المنافقون : 1 ) فإنه لو اختصر لترك : والله يعلم ; لأن سياق الآية لتكذيبهم في دعاوى الإخلاص في الشهادة ، لكن حسن ذكره رفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر .
وقوله حاكيا عن
يوسف عليه السلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( يوسف : 100 ) ولم يذكر الجب مع أن النعمة فيه أعظم لوجهين : أحدهما : لئلا يستحيي إخوته ، والكريم يغضي ; ولا سيما في وقت الصفاء .
والثاني : لأن السجن كان باختياره ; فكان الخروج منه أعظم ، بخلاف الجب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110تكلم الناس في المهد وكهلا ( المائدة : 110 ) ; وإنما ذكر الكهولة مع أنه لا إعجاز فيه ; لأنه كان في العادة أن من يتكلم في المهد أنه لا يعيش ولا يتمادى به العمر ، فجعل الاحتراس بقوله : ( وكهلا ) ( المائدة : 110 ) .
ومنه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فخر عليهم السقف من فوقهم ( النحل : 26 ) والسقف لا يكون إلا من فوق ; لأنه سبحانه رفع الاحتمال الذي يتوهم من أن السقف قد يكون من تحت بالنسبة ; فإن كثيرا من السقوف يكون أرضا لقوم وسقفا لآخرين ، فرفع تعالى هذا الاحتمال بشيئين وهما قوله : ( عليهم ) ولفظة ( خر ) لأنها لا تستعمل إلا فيما هبط أو سقط من العلو إلى سفل .
وقيل : إنما أكد ليعلم أنهم كانوا حالين تحته ، والعرب تقول : خر علينا سقف ، ووقع علينا حائط ، فجاء بقوله : من فوقهم ( النحل : 26 ) ليخرج هذا الشك الذي في كلامهم فقال : من فوقهم ( النحل : 26 ) أي : عليهم وقع ، وكانوا تحته ; فهلكوا وما قتلوا .
[ ص: 145 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223فأتوا حرثكم أنى شئتم ( البقرة : 223 ) ; لأنه لما كان يحتمل معنى " كيف " و " أين " احترس بقوله : ( حرثكم ) ; لأن الحرث لا يكون إلا حيث تنبت البذور وينبت الزرع ، وهو المحل المخصوص .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=39ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون الزخرف : 39 ) ; وذلك لأن الاشتراك في المصيبة يخفف منها ويسلي عنها ، فأعلم سبحانه أنه لا ينفعهم ذلك .
فائدة : عاب
قدامة على
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة قوله :
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ولا زال منهلا بجرعائك القطر
فإنه لم يحترس ، وهلا قال كما قال
طرفة :
فسقى ديارك غير مفسدها صوب الغمام وديمة تهمي
وأجيب بأنه قدم الدعاء بالسلامة للدار .
وقيل : لم يرد بقوله : " ولا زال منهلا " اتصال الدوام بالسقيا من غير إقلاع ، وإنما ذلك بمثابة من يقول : ما زال فلان يزورني إذا كان متعاهدا له بالزيارة .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914الِاحْتِرَاسُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مُحْتَمِلًا لِشَيْءٍ بَعِيدٍ ، فَيُؤْتَى بِمَا يَدْفَعُ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ كَقَوْلِهِ ; تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ( الْقَصَصِ : 32 ) فَاحْتَرَسَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=32مِنْ غَيْرِ سُوءٍ عَنْ إِمْكَانِ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْبَهَقُ وَالْبَرَصُ .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ( الْمَائِدَةِ : 54 ) فَإِنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِهِمْ بِالذِّلَّةِ - وَهُوَ السُّهُولَةُ - لَتُوُهِّمَ أَنَّ ذَلِكَ لِضَعْفِهِمْ ، فَلَمَّا قِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ( الْمَائِدَةِ : 54 ) عُلِمَ أَنَّهَا مِنْهُمْ تَوَاضُعٌ ; وَلِهَذَا عُدِّيَ " الذُّلُّ " بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْعَطْفِ .
[ ص: 143 ] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ( الْفَتْحِ : 29 ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( النَّمْلِ : 18 ) فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=18وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ( النَّمْلِ : 18 ) احْتِرَاسٌ بَيَّنَ أَنَّ مِنْ عَدْلِ
سُلَيْمَانَ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ جُنُودِهِ أَنَّهُمْ لَا يُحَطِّمُونَ نَمْلَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا بِأَلَّا يَشْعُرُوا بِهَا .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّمَا كَانَ تَبَسُّمُ
سُلَيْمَانَ سُرُورًا بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْهَا ، وَلِذَلِكَ أَكَّدَ التَّبَسُّمَ بِالضَّحِكِ ; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : تَبَسَّمَ كَتَبَسُّمِ الْغَضْبَانِ ; لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ تَبَسُّمَهُ تَبَسُّمُ سُرُورٍ .
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=25فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ( الْفَتْحِ : 25 ) الْتِفَاتٌ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ ضَرَرَ مُسْلِمٍ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( هُودٍ : 44 ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِهَلَاكِ مَنْ هَلَكَ بِالطُّوفَانِ عَقَّبَهُمْ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ ، وَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ ; لِيُعْلَمَ أَنَّ جَمِيعَهُمْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْعَذَابِ احْتِرَاسٌ مِنْ ضَعْفٍ يُوهِمُ أَنَّ الْهَلَاكَ بِعُمُومِهِ رُبَّمَا شَمِلَ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ ، فَلَمَّا دَعَا عَلَى الْهَالِكِينَ وَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ عُلِمَ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِمَا نَزَلْ بِهِمْ وَحَلَّ بِسَاحَتِهِمْ ، مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=37وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ( هُودٍ : 37 ) .
nindex.php?page=treesubj&link=28914وَأَعْجَبُ احْتِرَاسٍ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=44وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ ( الْقَصَصِ : 44 ) الْآيَةَ .
وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ
مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ( مَرْيَمَ : 52 ) فَلَمَّا نَفَى سُبْحَانَهُ عَنْ رَسُولِهِ أَنْ يَكُونَ بِالْمَكَانِ الَّذِي قَضَى
لِمُوسَى فِيهِ الْأَمْرَ عَرَّفَ الْمَكَانَ بِالْغَرْبِيِّ ، وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : الْأَيْمَنَ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ أَدَبًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُنْفَى عَنْهُ كَوْنُهُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ، أَوْ يَسْلُبَ عَنْهُ لَفْظًا مُشْتَقًّا مِنَ الْيُمْنِ ، أَوْ مُشَارِكًا لِمَادَّتِهِ ، وَلَمَّا أَخْبَرَ عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَكَرَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ تَشْرِيفًا
[ ص: 144 ] لِمُوسَى ; فَرَاعَى فِي الْمَقَامَيْنِ حُسْنَ الْأَدَبِ مَعَهُمَا ; تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ ، وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي الْأَدَبِ فِي الْخِطَابِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ( الْمُنَافِقُونَ : 1 ) فَإِنَّهُ لَوِ اخْتَصَرَ لَتَرَكَ : وَاللَّهُ يَعْلَمُ ; لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ لِتَكْذِيبِهِمْ فِي دَعَاوَى الْإِخْلَاصِ فِي الشَّهَادَةِ ، لَكِنَّ حُسْنَ ذِكْرِهِ رَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّ التَّكْذِيبَ لِلْمَشْهُودِ بِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
وَقَوْلُهُ حَاكِيًا عَنْ
يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ( يُوسُفَ : 100 ) وَلَمْ يَذْكُرِ الْجُبَّ مَعَ أَنَّ النِّعْمَةَ فِيهِ أَعْظَمُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِئَلَّا يَسْتَحْيِي إِخْوَتُهُ ، وَالْكَرِيمُ يُغْضِي ; وَلَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الصَّفَاءِ .
وَالثَّانِي : لِأَنَّ السِّجْنَ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ ; فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْهُ أَعْظَمُ ، بِخِلَافِ الْجُبِّ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=110تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ( الْمَائِدَةِ : 110 ) ; وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكُهُولَةَ مَعَ أَنَّهُ لَا إِعْجَازَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْعَادَةِ أَنَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْمَهْدِ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يَتَمَادَى بِهِ الْعُمْرُ ، فَجُعِلَ الِاحْتِرَاسُ بِقَوْلِهِ : ( وَكَهْلًا ) ( الْمَائِدَةِ : 110 ) .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=26فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ ( النَّحْلِ : 26 ) وَالسَّقْفُ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ فَوْقٍ ; لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ رَفَعَ الِاحْتِمَالَ الَّذِي يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ السَّقْفَ قَدْ يَكُونُ مِنْ تَحْتٍ بِالنِّسْبَةِ ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ السُّقُوفِ يَكُونُ أَرْضًا لِقَوْمٍ وَسَقْفًا لِآخَرِينَ ، فَرَفَعَ تَعَالَى هَذَا الِاحْتِمَالَ بِشَيْئَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ : ( عَلَيْهِمْ ) وَلَفْظَةُ ( خَرَّ ) لِأَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا هَبَطَ أَوْ سَقَطَ مِنَ الْعُلُوِّ إِلَى سُفْلٍ .
وَقِيلَ : إِنَّمَا أَكَّدَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُمْ كَانُوا حَالِّينَ تَحْتَهُ ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ : خَرَّ عَلَيْنَا سَقْفٌ ، وَوَقَعَ عَلَيْنَا حَائِطٌ ، فَجَاءَ بِقَوْلِهِ : مِنْ فَوْقِهِمْ ( النَّحْلِ : 26 ) لِيُخْرِجَ هَذَا الشَّكَّ الَّذِي فِي كَلَامِهِمْ فَقَالَ : مِنْ فَوْقِهِمْ ( النَّحْلِ : 26 ) أَيْ : عَلَيْهِمْ وَقَعَ ، وَكَانُوا تَحْتَهُ ; فَهَلَكُوا وَمَا قُتِلُوا .
[ ص: 145 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ( الْبَقَرَةِ : 223 ) ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَمِلُ مَعْنَى " كَيْفَ " وَ " أَيْنَ " احْتَرَسَ بِقَوْلِهِ : ( حَرْثَكُمْ ) ; لِأَنَّ الْحَرْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا حَيْثُ تَنْبُتُ الْبُذُورُ وَيَنْبُتُ الزَّرْعُ ، وَهُوَ الْمَحَلُّ الْمَخْصُوصُ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=39وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ الزُّخْرُفِ : 39 ) ; وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْمُصِيبَةِ يُخَفِّفُ مِنْهَا وَيُسَلِّي عَنْهَا ، فَأَعْلَمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ .
فَائِدَةٌ : عَابَ
قُدَامَةُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذِي الرُّمَّةِ قَوْلَهُ :
أَلَا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ مَيٍّ عَلَى الْبِلَى وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعَائِكِ الْقَطْرُ
فَإِنَّهُ لَمْ يَحْتَرِسْ ، وَهَلَّا قَالَ كَمَا قَالَ
طَرَفَةُ :
فَسَقَى دِيَارَكِ غَيْرَ مُفْسِدِهَا صَوْبُ الْغَمَامِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الدُّعَاءَ بِالسَّلَامَةِ لِلدَّارِ .
وَقِيلَ : لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ : " وَلَا زَالَ مُنْهَلًّا " اتِّصَالَ الدَّوَامِ بِالسُّقْيَا مِنْ غَيْرِ إِقْلَاعٍ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَثَابَةِ مَنْ يَقُولُ : مَا زَالَ فُلَانٌ يَزُورُنِي إِذَا كَانَ مُتَعَاهِدًا لَهُ بِالزِّيَارَةِ .