الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
فمن الحوادث فيها nindex.php?page=treesubj&link=33711مقتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما
قد تقدم ذكرنا السبب في عزل nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد عن مصر وتولية محمد بن أبي بكر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : لما حدث nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد [بمجيء] محمد بن أبي بكر ، وأنه قادم عليه أميرا ، تلقاه وخلا به ، وقال له: إنك جئت من عند امرئ لا رأي له ، وليس عزلكم إياي بمانعي أن أنصح لكم ، وإني أدلك على الأمر الذي كنت أكايد به nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية وعمرا فكايدهم به ، فإنك إن تكايدهم بغيره تهلك ، وحدثه بما كان يصنع ، واغتشه محمد ، وخالف ما أمره به ، فلما استقر محمد نهض بأهل مصر إلى قتال أهل خربتا ، وهزم محمد ، ولما قدم nindex.php?page=showalam&ids=7246قيس بن سعد المدينة خافه مروان والأسود بن البختري حتى إذا خاف أن يؤخذ ويقتل ركب راحلته فلحق بعلي رضي الله عنه .
فكتب nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلى مروان والأسود يتغيظ عليهما ويقول: أمددتما عليا بقيس بن سعد ومكايده ، فوالله لو أمددتموه بمائة ألف مقاتل ما كان ذلك بأغيظ لي من إخراجكما قيسا إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي . فلما جاء قتل محمد عرف nindex.php?page=showalam&ids=8علي أن قيسا كان يداري أمورا كثيرة ، وأن من أشار إليه بعزل قيس لم ينصحه ، فبعث الأشتر . [ ص: 150 ] وقد ذكرنا أن قوما يقولون: إنما بعث محمدا بعد الأشتر ، والله أعلم .
ولما انصرف الحكمان nindex.php?page=treesubj&link=33722بايع أهل الشام nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بالخلافة ولم يزدد nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلا قوة ، واختلف الناس بالعراق على nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، فما كان nindex.php?page=showalam&ids=33لمعاوية هم إلا مصر ، وكان يرجو أنه إذا أظهر عليها ظهر على حرب nindex.php?page=showalam&ids=8علي لعظم خراجها ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص صالح nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية حين بايعه على قتال nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه على أن له مصر طعمة ما بقي .
فلما أراد nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية أخذ مصر استشار أصحابه ، فقال عمرو: أرى أن نبعث جيشا كثيفا عليهم رجل حازم صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر ، فإنه سيأتيه من كان على مثل ذلك فتظاهره على عدوك ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: هل عندك غير هذا؟ قال: ما أعلمه .
قال nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: بلى ، فكاتب من بها ، فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم ونمنيهم قدومنا عليهم ، وأما عدونا فندعوهم إلى صلحنا ونمنيهم شكرنا ونخوفهم حربنا ، فإن صلحوا لنا وإلا كان حربهم من وراء ذلك ، فقال عمرو: اعمل بما ترى ، فو الله ما أرى أمرك وأمرهم يؤول إلا إلى الحرب .
فكتب nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري ، وإلى معاوية بن حديج السكوني [الكندي] ، أما بعد: فإن الله تعالى قد ابتعثكما لأمر أعظم به أجركما ، ورفع به ذكركما ، طلبكما بدم الخليفة ، فأبشروا برضوان الله . فقدم به رسوله إلى مصر ومحمد بن أبي بكر أميرها ، فكتبا إليه: عجل بخيلك ورجلك يفتح الله عليك . فبعث nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص في ستة آلاف ، فخرج فاجتمع إليه العثمانية ، وكتب إلى محمد بن أبي بكر:
تنح عني بدمك فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر ، وكتب إليه nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: إني لا أعلم أحدا كان أعظم على عثمان بلاء منك ، فلا تظنن أني نائم عنك . فبعث الكتابين إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي وكتب إليه: أما بعد ، فإن ابن العاص قد نزل أراضي مصر ، واجتمع إليه أهل البلد ، وقد رأيت من قبلي بعض الفشل ، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال .
فكتب إليه nindex.php?page=showalam&ids=8علي: اصبر لعدوك وإن كانت فئتك أقل الفئتين ، فإني باعث إليك [ ص: 151 ] الناس ، وانتدب إلى القوم كنانة بن بشر ، وقام nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه فحث الناس على مصر ، فتقاعدوا ، فعاد يحثهم ، فخرج نحو من ألفين ، فقال: أف لكم ، وقام محمد خطيبا ، فقال: إن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة قد ساروا إليكم بالجنود فمن أراد فليخرج إليهم ، انتدبوا رحمكم الله مع كنانة بن بشر . فانتدب معه نحو من ألفي رجل ، وخرج محمد في ألفي رجل ، وأقبل عمرو فطرد أصحابه كنانة ، فبعث إلى nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج فأحاط أصحابه بكنانة فقاتل حتى قتل ، وتفرق عن محمد أصحابه ، فخرج يمشي حتى انتهى إلى خربة ، فأوى إليها .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق ، فسألهم: هل مر بكم أحد تستنكرونه؟ فقال أحدهم: لا والله إلا أني دخلت تلك الخربة فإذا فيها رجل جالس ، فقال ابن حديج: هو هو ورب الكعبة ، فدخلوا عليه واستخرجوه وقد كاد يموت عطشا وأقبلوا به نحو الفسطاط ، فوثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر - وكان في جند nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص - وقال: أيقتل أخي صبرا ، ابعث إلى nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج فانهه ، فبعث إليه: إن nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص يأمرك أن تأتيه بمحمد بن أبي بكر ، فقال: أكذاك قتلتم كنانة بن بشر وأخلي أنا عن محمد ، هيهات .
فقال محمد: اسقوني من الماء ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدا ، إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما ، أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار ثم أحرقه بالنار . فلما بلغ الخبر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة جزعت عليه جزعا شديدا ، وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية وعمرو ، وقبضت عيال محمد إليها وولده ، وكان nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد في عيالها ، وكتب nindex.php?page=showalam&ids=13عمرو بن العاص إلى nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بقتل محمد وكنانة .
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، عن أبي القاسم بن أبي عبد الله بن منده ، قال: أخبرنا أبي قراءة عليه ، قال: أخبرنا أبو سعيد بن يونس الحافظ ، قال: حدثنا أسامة بن أحمد التجيبي ، قال: حدثني زيد بن أبي زيد بن أبي العمر ، عن أحمد بن يحيى بن زيد ، عن إسحاق بن الفرات ، عن يحيى بن أيوب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17346يزيد بن أبي حبيب ، قال: بعث nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج بمولى له يقال له سليم إلى المدينة بشيرا بقتل محمد بن أبي بكر ومعه قميص محمد بن أبي بكر ودخل به دار عثمان ، فاجتمع إليه آل عثمان من رجال ونساء ، وأظهروا السرور بمقتله ، وأمرت nindex.php?page=showalam&ids=10583أم حبيبة بنت أبي سفيان بكبش يشوى ، [ ص: 152 ] وبعثت بذلك إلى nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة وقالت: هكذا شوي أخوك ، فلم تأكل nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة شواء حتى لحقت بالله عز وجل .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة فقد زعم قوم أنه قتل بعد قتل ابن أبي بكر . وقال آخرون: بل قتل [قبل] ذلك في سنة ست وثلاثين ، وقد سبق ذكر ذلك فيما قدمنا .
وفي هذه السنة بعد مقتل محمد بن أبي بكر nindex.php?page=treesubj&link=34037وجه nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية عبد الله بن عمرو بن الحضرمي إلى البصرة ، فوجه nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه أعين بن ضبيعة المجاشعي لإخراج ابن الحضرمي من البصرة مددا لزياد .
شرح القصة: لما قتل محمد بن أبي بكر خرج nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من البصرة إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بالكوفة واستخلف زيادا ، وقدم ابن الحضرمي من قبل nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ، فنزل في بني تميم ، فأرسل زيادا إلى حضين بن المنذر ، ومالك بن مسمع ، فقال: أنتم يا معاشر بكر بن وائل من أنصار أمير المؤمنين ، وقد نزل ابن الحضرمي حيث ترون ، وأتاه من أتاه ، فامنعوني حتى يأتيني رأي أمير المؤمنين ، فقال حضين : نعم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك - وكان رأيه مائلا إلى بني أمية ، وكان مروان لجأ إليه يوم الجمل: هذا أمر لي فيه شركاء ، أستشير وأنظر . فلما رأى زياد تثاقل nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك خاف أن تختلف ربيعة ، فأرسل إلى نافع بن خالد فسأله أن يمنعه ، فأشار عليه نافع بصبرة بن شيمان الحداني ، فأرسل إليه زياد فقال: ألا تجيرني وبيت مال المسلمين ، قال: بلى إن حملته إلي ونزلت داري ، ففعل وحول معه المنبر ، وتحول معه خمسون رجلا ، فكان زياد يصلي الجمعة في مسجد الحداني .
وكتب زياد إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه: إن ابن الحضرمي قد أقبل من الشام ، فنزل في بني تميم ، ونعى ابن عفان ، ودعا إلى الحرب وبايعته تميم وجل أهل البصرة ، ولم يبق معي من أمتنع به ، فاستجرت لنفسي ولبيت المال بصبرة بن شيمان ، فوجه nindex.php?page=showalam&ids=8علي أعين بن ضبيعة ، وكتب إلى زياد : إني قد وجهت أعين ليعرض بقومه عن ابن [ ص: 153 ] الحضرمي ، فإن فرق جمعه فهو ما نريد ، وإن ترقت إليهم الأمور فانهض إليهم وجاهدهم ، وإن رأيت ممن قبلك تثاقلا ، فدارهم وطاولهم ، وكأنك بجنود الله قد أظلتك .
فقدم أعين فأتى زيادا فنزل عنده ، ثم أتى قومه فجمع رجالا ونهض إلى ابن الحضرمي ، فدعاهم فشتموه وناوشوه وانصرف عنهم ، فدخل عليه قوم فقتلوه ، فلما قتل أعين ، أراد زياد قتالهم ، فأرسل بنو تميم إلى الأزد : إنا لم نعرض لجاركم ولا لأحد من أصحابه ، فماذا تريدون من جارنا ، وكرهت الأزد القتال ، وقالوا: إن عرضوا لجارنا منعناه ، وإن كفوا عنا كففنا عن جارهم ، فأمسكوا . nindex.php?page=treesubj&link=33712وكتب زياد إلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بقتل أعين ، وأخبره أنه لم يخف معه ممن تقوى به على قتالهم ، فكتب إليه nindex.php?page=showalam&ids=8علي يصوب رأيه ، وبعث إليه حارثة بن قدامة في خمسين من بني تميم ، وشريك بن الأعور في خمسمائة ، فقدم حارثة البصرة ، فقال له زياد : احذر أن يصيبك ما أصاب صاحبك فسار حارثة إلى قومه فقرأ عليهم كتاب nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه ، فأجابه أكثرهم ، فسار إلى ابن الحضرمي فحصره في داره ثم أحرق عليه الدار وعلى من معه ، وكانوا سبعين رجلا ، وقيل: أربعين ، وتفرق الناس ، ورجع زياد إلى دار الإمارة .