الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
القسم التاسع عشر إبراز الكلام في صورة المستحيل على طريق المبالغة ليدل على بقية جمله كقول العرب : لا أكلمك حتى يبيض القار ، وحتى يشيب الغراب ، وكقوله تعالى : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف : 40 ) يعني : والجمل لا يلج في السم فهؤلاء لا يدخلون ، فهو في المعنى متعلق بالحال ، فالمعنى أنهم لا يدخلون الجنة أصلا ، وليس للغاية هنا مفهوم ، ووجه التأكيد فيه كدعوى الشيء ببينة ; لأنه جعل ولوج الجمل في السم غاية لنفي دخولهم الجنة ، وتلك غاية لا توجد ، فلا يزال دخولهم الجنة منتفيا .

[ ص: 127 ] وغالى بعض الشعراء في وصف جسمه بالنحول ، فجاء بما يزيد على الآية ، فقال :

ولو أن ما بي من جوى وصبابة على جمل لم يبق في النار خالد

وهذا على طريقة الشعراء في اعتبار المبالغة ، وإلا فمعارضات القرآن لا تجوز ، كما سبق التنبيه عليه .

ومنه قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( النساء : 22 ) .

فإن المعنى : إن كان ما سلف في الزمن السالف يمكن رجوعه فحله ثابت ، لكن لا يمكن رجوعه أبدا ، ولا يثبت حله أبدا ، وهو أبلغ في النهي المجرد .

ومنه قوله تعالى : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( الزخرف : 81 ) أي : ولكن ليس له ولد فلا أعبد سواه .

وقوله تعالى : لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ( مريم : 62 ) أي : إن كان تسليم بعضهم على بعض ، أو تسليم الملائكة عليهم لغوا ، فلا يسمعون لغوا إلا ذلك ; فهو من باب قوله :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم     بهن فلول من قراع الكتائب

ومنه قوله : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( الدخان : 56 ) فإن الناس استشكلوا وجه الاستثناء ، مع أنهم لا يذوقون فيها الموت مطلقا ، ومقتضى استثنائها من النفي أنهم يذوقونها في الجنة ، وليس كذلك .

ووجهه الزمخشري : " بأنه من التوكيد في الدلالة ، والموتة الأولى لا يذوقونها أصلا ، إذ يستحيل عود ما وقع ، فلا يذوقون فيها الموت أصلا ، أي : إن كانوا يذوقون فلا يكون ذلك إلا الموتة الأولى ، وإن كان إيقاع الموتة الأولى في الجنة مستحيلا ، فعرض بالاستثناء إلى استحالة الموت فيها .

[ ص: 128 ] هذا إن جعلنا الاستثناء متصلا ، فإن كان منقطعا فالمعنى : " لكن الموتة الأولى قد ذاقوها " .

ويحتمل على الاتصال أن يكون المعنى فيها ، أي : في مقدماتها ; لأن الذي يرى مقامه في الجنة عند موته ينزل منزلة من هو فيها ، بتأويل الذوق على معنى المستحيل .

فهذه ثلاثة أوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية