وأما الرفع فمن وجهين ، أحدهما : العطف على أن وما في حيزها . وقد [ ص: 68 ] تقدم لك في " أن " الواقعة بعد " لو " مذهبان : مذهب الرفع على الابتداء ، ومذهب سيبويه على الفاعلية بفعل مقدر ، وهما عائدان هنا . فعلى مذهب المبرد يكون تقدير العطف : ولو البحر . إلا أن الشيخ قال : إنه لا يلي " لو " المبتدأ اسما صريحا إلا في ضرورة ، كقوله : سيبويه
3660 - لو بغير الماء حلقي شرق ... ... ... ...
وهذا القول يؤدي إلى ذلك . ثم أجاب بأنه يغتفر في المعطوف ما لا يغتفر في المعطوف عليه كقولهم : " رب رجل وأخيه يقولان ذلك " . وعلى مذهب يكون تقديره : ولو ثبت البحر ، وعلى التقديرين يكون " يمده " جملة حالية من البحر . المبرد
والثاني : أن " البحر " مبتدأ ، و " يمده " الخبر ، والجملة حالية كما تقدم في جملة الاشتغال ، والرابط الواو . وقد جعله سؤالا وجوابا . وأنشد : الزمخشري
[ ص: 69 ]
3661 - وقد أغتدي والطير في وكناتها ... ... ... ...
و " من شجرة " حال : إما من الموصول ، أو من الضمير المستتر في الجار الواقع صلة ، و " أقلام " خبر " أن " . قال الشيخ : " وفيه دليل على من يقول - ومن يتعصب له من العجم - على أن خبر " أن " الواقعة بعد " لو " لا يكون اسما البتة لا جامدا ولا مشتقا ، بل يتعين أن يكون فعلا " قال : " وهو باطل " وأنشد : كالزمخشري
3662 - ولو أنها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما
وقال :
3663 - ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
[ ص: 70 ] وقال :
3664 - ولو أن حيا فائت الموت فاته أخو الحرب فوق القارح العدوان
قال : " وهو كثير في كلامهم " . قلت : وقد تقدم أول هذا الموضوع أن هذه الآية ونحوها تبطل ظاهر قول المتقدمين في " لو " أنها حرف امتناع لامتناع ; إذ يلزم محذور عظيم : وهو أن ما بعدها إذا كان منفيا لفظا فهو مثبت معنى ، وبالعكس . وقوله : " ما نفدت " منفي لفظا ، فلو كان مثبتا معنى فسد المعنى ، فعليك بالالتفات إلى أول البقرة .
وقرأ " وبحر " بالتنكير وفيه وجهاه معرفا . وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها بعد واو الحال ، وهو معدود من مسوغات الابتداء بالنكرة . وأنشدوا : عبد الله
3665 - سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوءه كل شارق
وبهذا يظهر فساد قول من قال : إن في هذه القراءة يتعين القول بالعطف على " أن " ، كأنه توهم أنه ليس ثم مسوغ .
[ ص: 71 ] وقرأ عبد الله " تمده " بالتأنيث لأجل " وأبي سبعة " . والحسن وابن هرمز " يمده " بالياء من تحت مضمومة وكسر الميم من أمده . وقد تقدم اللغتان في آخر الأعراف وأوائل البقرة . وابن مصرف
قال : " فإن قلت : لم قيل : " الزمخشري من شجرة " بالتوحيد ؟ قلت : أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاما " . قال الشيخ : وهو من وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موقع المعرفة ، كقوله : ما ننسخ من آية قلت : وهذا يذهب بالمعنى الذي أبداه . وقال أيضا : " فإن قلت : " الكلمات " جمع قلة ، والموضع موضع تكثير ، فهلا قيل : كلم . قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبتها البحار ، فكيف بكلمه " ؟ قلت : يعني أنه من باب التثنية بطريق الأولى . ورده الشيخ : بأن جمع السلامة متى عرف بأل غير العهدية أو أضيف عم . قلت للناس خلاف في " أل " هل تعم أو لا ؟ وقد يكون الزمخشري ممن لا يرى العموم ، ولم يزل الناس يسألون في بيت الزمخشري رضي الله عنه : [ ص: 72 ] حسان
3666 - لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... ... ... ...
ويقولون : كيف أتى بجمع القلة في مقام المدح ؟ ولم لم يقل الجفان ؟ وهو تقرير لما قاله واعتراف بأن أل لا تؤثر في جمع القلة تكثيرا . الزمخشري