الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (27) قوله : والبحر : قرأ أبو عمرو بالنصب ، والباقون بالرفع . فالنصب من وجهين ، أحدهما : العطف على اسم " أن " . أي : ولو أن البحر ، و " يمده " الخبر . والثاني : النصب بفعل مضمر يفسره " يمده " والواو حينئذ للحال . والجملة حالية ، ولم يحتج إلى ضمير رابط بين الحال وصاحبها ، للاستغناء عنه بالواو . والتقدير : ولو أن الذي في الأرض حال كون البحر ممدودا بكذا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الرفع فمن وجهين ، أحدهما : العطف على أن وما في حيزها . وقد [ ص: 68 ] تقدم لك في " أن " الواقعة بعد " لو " مذهبان : مذهب سيبويه الرفع على الابتداء ، ومذهب المبرد على الفاعلية بفعل مقدر ، وهما عائدان هنا . فعلى مذهب سيبويه يكون تقدير العطف : ولو البحر . إلا أن الشيخ قال : إنه لا يلي " لو " المبتدأ اسما صريحا إلا في ضرورة ، كقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3660 - لو بغير الماء حلقي شرق ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القول يؤدي إلى ذلك . ثم أجاب بأنه يغتفر في المعطوف ما لا يغتفر في المعطوف عليه كقولهم : " رب رجل وأخيه يقولان ذلك " . وعلى مذهب المبرد يكون تقديره : ولو ثبت البحر ، وعلى التقديرين يكون " يمده " جملة حالية من البحر .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن " البحر " مبتدأ ، و " يمده " الخبر ، والجملة حالية كما تقدم في جملة الاشتغال ، والرابط الواو . وقد جعله الزمخشري سؤالا وجوابا . وأنشد :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 69 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3661 - وقد أغتدي والطير في وكناتها      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      و " من شجرة " حال : إما من الموصول ، أو من الضمير المستتر في الجار الواقع صلة ، و " أقلام " خبر " أن " . قال الشيخ : " وفيه دليل على من يقول - كالزمخشري ومن يتعصب له من العجم - على أن خبر " أن " الواقعة بعد " لو " لا يكون اسما البتة لا جامدا ولا مشتقا ، بل يتعين أن يكون فعلا " قال : " وهو باطل " وأنشد :


                                                                                                                                                                                                                                      3662 - ولو أنها عصفورة لحسبتها     مسومة تدعو عبيدا وأزنما



                                                                                                                                                                                                                                      وقال :


                                                                                                                                                                                                                                      3663 - ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر     تنبو الحوادث عنه وهو ملموم



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 70 ] وقال :


                                                                                                                                                                                                                                      3664 - ولو أن حيا فائت الموت فاته     أخو الحرب فوق القارح العدوان



                                                                                                                                                                                                                                      قال : " وهو كثير في كلامهم " . قلت : وقد تقدم أول هذا الموضوع أن هذه الآية ونحوها تبطل ظاهر قول المتقدمين في " لو " أنها حرف امتناع لامتناع ; إذ يلزم محذور عظيم : وهو أن ما بعدها إذا كان منفيا لفظا فهو مثبت معنى ، وبالعكس . وقوله : " ما نفدت " منفي لفظا ، فلو كان مثبتا معنى فسد المعنى ، فعليك بالالتفات إلى أول البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عبد الله " وبحر " بالتنكير وفيه وجهاه معرفا . وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها بعد واو الحال ، وهو معدود من مسوغات الابتداء بالنكرة . وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                      3665 - سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا     محياك أخفى ضوءه كل شارق



                                                                                                                                                                                                                                      وبهذا يظهر فساد قول من قال : إن في هذه القراءة يتعين القول بالعطف على " أن " ، كأنه توهم أنه ليس ثم مسوغ .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 71 ] وقرأ عبد الله وأبي " تمده " بالتأنيث لأجل " سبعة " . والحسن وابن هرمز وابن مصرف " يمده " بالياء من تحت مضمومة وكسر الميم من أمده . وقد تقدم اللغتان في آخر الأعراف وأوائل البقرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري : " فإن قلت : لم قيل : " من شجرة " بالتوحيد ؟ قلت : أريد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاما " . قال الشيخ : وهو من وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موقع المعرفة ، كقوله : ما ننسخ من آية قلت : وهذا يذهب بالمعنى الذي أبداه الزمخشري . وقال أيضا : " فإن قلت : " الكلمات " جمع قلة ، والموضع موضع تكثير ، فهلا قيل : كلم . قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبتها البحار ، فكيف بكلمه " ؟ قلت : يعني أنه من باب التثنية بطريق الأولى . ورده الشيخ : بأن جمع السلامة متى عرف بأل غير العهدية أو أضيف عم . قلت للناس خلاف في " أل " هل تعم أو لا ؟ وقد يكون الزمخشري ممن لا يرى العموم ، ولم يزل الناس يسألون في بيت حسان رضي الله عنه : [ ص: 72 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3666 - لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى      ... ... ... ...



                                                                                                                                                                                                                                      ويقولون : كيف أتى بجمع القلة في مقام المدح ؟ ولم لم يقل الجفان ؟ وهو تقرير لما قاله الزمخشري واعتراف بأن أل لا تؤثر في جمع القلة تكثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية