الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (11) قوله : فاطر : العامة على رفعه خبرا لـ " ذلكم " أو نعتا لـ " ربي " على تمحض إضافته . و " عليه توكلت " معترض على هذا ، أو مبتدأ ، وخبره " جعل لكم " أو خبر مبتدأ مضمر أي : هو . وزيد بن علي : [ ص: 543 ] " فاطر " بالجر نعتا للجلالة في قوله : " إلى الله " ، وما بينهما اعتراض أو بدلا من الهاء في " عليه " أو " إليه " .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مكي : " وأجاز الكسائي النصب على النداء " . وقال غيره : على المدح . ويجوز في الكلام الخفض على البدل من الهاء في " عليه " . قلت : قد قرأ بالخفض زيد بن علي . وأما نصبه فلم أحفظه قراءة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " يذرؤكم فيه " يجوز أن تكون " في " على بابها . والمعنى : يكثركم في هذا التدبير ، وهو أن جعل للناس والأنعام أزواجا حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد . والضمير في " يذرؤكم " للمخاطبين والأنعام . وغلب العقلاء على غيرهم الغيب . قال الزمخشري : " وهي من الأحكام ذات العلتين " . قال الشيخ : " وهو اصطلاح غريب ، ويعني : أن الخطاب يغلب على الغيبة إذا اجتمعا " . ثم قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى يذرؤكم في هذا التدبير ؟ وهلا قيل يذرؤكم به . قلت : جعل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير . ألا تراك تقول : للحيوان في خلق الأزواج تكثير ، كما قال تعالى : ولكم في القصاص حياة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنها للسببية كالباء أي : يكثركم بسببه . والضمير يعود للجعل أو للمخلوق " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : ليس كمثله شيء في هذه الآية أوجه ، أحدها - وهو المشهور [ ص: 544 ] عند المعربين - أن الكاف زائدة في خبر ليس ، و " شيء " اسمها . والتقدير : ليس شيء مثله . قالوا : ولولا ادعاء زيادتها للزم أن يكون له مثل . وهو محال ; إذ يصير التقدير على أصالة الكاف : ليس مثل مثله شيء ، فنفى المماثلة عن مثله ، فثبت أن له مثلا ، لا مثل لذلك المثل ، وهذا محال تعالى الله عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء : " ولو لم تكن زائدة لأفضى ذلك إلى المحال ; إذ كان يكون المعنى : أن له مثلا وليس لمثله مثل . وفي ذلك تناقض ; لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل وهو هو ، مع أن إثبات المثل لله تعالى محال " . قلت : وهذه طريقة غريبة في تقرير الزيادة ، وهي طريقة حسنة فيها حسن صناعة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن مثلا هي الزائدة كزيادتها في قوله تعالى : بمثل ما آمنتم به . قال الطبري : " كما زيدت الكاف في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      3966 - وصاليات ككما يؤثفين



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :

                                                                                                                                                                                                                                      3967 - فصيروا مثل كعصف مأكول

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 545 ] وهذا ليس بجيد ; لأن زيادة الأسماء ليست بجائزة . وأيضا يصير التقدير ليس كـ هو شيء ، ودخول الكاف على الضمائر لا يجوز إلا في شعر .

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث : أن العرب تقول " مثلك لا يفعل كذا " يعنون المخاطب نفسه ; لأنهم يريدون المبالغة في نفي الوصف عن المخاطب ، فينفونها في اللفظ عن مثله ، فيثبت انتفاؤها عنه بدليلها . ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      3968 - على مثل ليلى يقتل المرء نفسه     وإن بات من ليلى على اليأس طاويا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أوس بن حجر :


                                                                                                                                                                                                                                      3969 - ليس كمثل الفتى زهير     خلق يوازيه في الفضائل



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر :


                                                                                                                                                                                                                                      3970 - سعد بن زيد إذا أبصرت فضلهم     فما كمثلهم في الناس من أحد



                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن قتيبة : " العرب تقيم المثل مقام النفس فتقول : مثلي لا يقال [ ص: 546 ] له هذا ، أي : أنا لا يقال لي " . قيل : و [نظير ] نسبة المثل إلى من لا مثل له قولك : فلان يده مبسوطة تريد أنه جواد ، ولا نظر في الحقيقة إلى اليد ، حتى تقول ذلك لمن لا يد له كقوله تعالى : بل يداه مبسوطتان .

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع : أن يراد بالمثل الصفة ، وذلك أن المثل بمعنى المثل والمثل الصفة ، كقوله تعالى : " مثل الجنة " فيكون المعنى : ليس مثل صفته تعالى شيء من الصفات التي لغيره ، وهو محمل سهل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية