الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ . (28) قوله : من آل فرعون : يحتمل أن يكون متعلقا بـ " يكتم " بعده أي : يكتمه من آل فرعون . والثاني : - وهو الظاهر - أنه متعلق بمحذوف صفة لرجل . وجاء هنا على أحسن ترتيب : حيث قدم المفرد ثم [ ص: 472 ] ما يقرب منه وهو حرف الجر ، ثم الجملة . وقد تقدم إيضاح هذه المسألة في المائدة وغيرها . ويترتب على الوجهين : هل كان هذا الرجل من قرابة فرعون ؟ فعلى الأول لا دليل فيه ، وعلى الثاني فيه دليل . وقد رد بعضهم الأول : بأنه لا يقال : كتمت من فلان كذا ، إنما يقال : كتمت فلانا كذا ، فيتعدى لاثنين بنفسه . قال تعالى : ولا يكتمون الله حديثا . وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      3925 - كتمتك هما بالجمومين ساهرا وهمين هما مستكنا وظاهرا     أحاديث نفس تشتكي ما بربها
                                                                                                                                                                                                                                      وورد هموم لن يجدن مصادرا



                                                                                                                                                                                                                                      أي : كتمتك أحاديث نفس وهمين ، فقدم المعطوف على المعطوف عليه ، ومحله الشعر .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : أن يقول ربي أي : كراهة أن يقول أو لأن يقول . والعامة على ضم عين " رجل " وهي الفصحى . والأعمش وعبد الوارث على تسكينها ، وهي لغة تميم ونجد . وقال الزمخشري : " ولك أن تقدر مضافا محذوفا أي : وقت أن يقول . والمعنى : أتقتلونه ساعة سمعتم منه هذا القول من غير روية ولا فكر " . وهذا الذي أجازه رده الشيخ : بأن تقدير هذا الوقت لا يجوز إلا مع [ ص: 473 ] المصدر المصرح به تقول : جئتك صياح الديك أي : وقت صياحه ، ولو قلت : أجيئك أن صاح الديك ، أو أن يصيح ، لم يصح . نص عليه النحويون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : " وقد جاءكم " جملة حالية يجوز أن تكون من المفعول . فإن قيل : هو نكرة . فالجواب : أنه في حيز الاستفهام وكل ما سوغ الابتداء بالنكرة سوغ انتصاب الحال عنها . ويجوز أن يكون حالا من الفاعل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله : بعض الذي يعدكم " بعض " على بابها ، وإنما قال ذلك ليهضم موسى عليه السلام بعض حقه في ظاهر الكلام ، فيريهم أنه ليس بكلام من أعطاه حقه وافيا فضلا أن يتعصب له ، قاله الزمخشري . وهذا أحسن من قول غيره : إنها بمعنى كل ، وأنشدوا قول لبيد :


                                                                                                                                                                                                                                      3926 - تراك أمكنة إذا لم يرضها     أو يرتبط بعض النفوس حمامها



                                                                                                                                                                                                                                      وأنشدوا قول عمرو بن شييم :


                                                                                                                                                                                                                                      3927 - قد يدرك المتأني بعض حاجته     وقد يكون مع المستعجل الزلل



                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      3928 - إن الأمور إذا الأحداث دبرها     دون الشيوخ ترى في بعضها خللا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 474 ] ولا أدري كيف فهموا الكل من البيتين الأخيرين ؟ وأما الأول ففيه بعض دليل ; لأن الموت يأتي على الكل . ولما حكى هذا الزمخشري عن أبي عبيدة ، وأنشد عنه بيت لبيد قال : " إن صحت الرواية عنه فقد حق فيه قول المازني في مسألة العلقى : "

                                                                                                                                                                                                                                      كان أجفى من أن يفقه ما أقول له

                                                                                                                                                                                                                                      " .

                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ومسألة المازني معه أن أبا عبيدة قال للمازني : " ما أكذب النحويين ! ! يقولون : هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث وأن الألف في " علقى " ملحقة . قال : فقلت له : وما أنكرت من ذلك ؟ فقال : سمعت رؤبة ينشد :


                                                                                                                                                                                                                                      3929 - ينحط في علقى وفي مكور

                                                                                                                                                                                                                                      فلم ينونها . فقلت : ما واحد علقى ؟ قال : علقاة . قال المازني : فامتنعت ولم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا " قلت : وإنما استغلظه المازني ; لأن الألف التي للإلحاق تدخل عليها تاء التأنيث دالة على الوحدة فيقال : أرطى وأرطاة ، وإنما الممتنع دخولها على ألف التأنيث نحو : دعوى وصرعى . وأما عدم تنوين " علقى " فلأنه سمى بها شيئا بعينه [ ص: 475 ] [وألف الإلحاق المقصورة حال العلمية تجري مجرى تاء التأنيث فيمتنع الاسم الذي هي فيه ، كما تمتنع فاطمة . وتنصرف قائمة ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية