الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  5- العادات والتقاليد في تايلاند:

                  إن من يدرس تاريخ الشرق، بشكل عام، وتايلاند جزء منه، يلاحظ فيه بجلاء قدرا كبيرا من التعلق بالغيب والحياة الأخرى، بكل ما تحوي هاتين الكلمتين من معاني واسعة، قد تكون في كثير من الأحيان لا تستند إلا إلى الأساطير الشعبية.

                  وقد اصطبغت كثير من عبادات الملل بهذه المسحة الأسطورية حتى غدت بين الناس شيئا من صميم الدين نفسه، ولا يجدون غضاضة في التفاخر به باعتباره شيئا يمثل الحضارة، التي ينتمون إليها.

                  وتعتبر تايلاند من أكثر بلدان العالم تسامحا، والتايلانديون قد يغفرون أي خطأ أو هفوة غير مقصودة تمس ثقافتهم ما عدا شيئين أساسيين مهمين عندهم، ويجـب احـترامهما وعدم الخوض فيهما، وهما العائلة المـالكة والدين، وما عداهما من المشاكل السياسية والاجتمـاعية، فحدث ولا حرج، فهم يتوقفون ويقفون دائمـا عند النشيد الوطني، في الساعة الثامنة صباحا والساعة السادسة مساء، وتماثيل بوذا والمعابد البوذية، التي يجـب على من يزورها أن يخلع أحـذيته. والنسـاء يهبن صدقاتهن للرهبان، ولكن لا يلمسن الراهب ولا ثيابه، فهي محرمة عليهن وإهانة للراهب. ومن عادات البوذيين أن يرسلوا أولادهم للمعبد، ويرتدي الولد لباس الرهبان لمدة ثلاثة أشهر في سن العشرين

                  [1] . [ ص: 107 ]

                  وعندما يسير الرهبان في الشارع، لا يسيرون بجانب بعضهم، بل كل واحد يقف خلف الآخر، ويتبعه، وكأنهم أفراخ بط.

                  والمجتمع التايلاندي، كالعديد من بلدان وشعوب القارة الآسيوية، مجتمع منظم ومرتب جيدا، يقوم على الاحترام المتبادل بين طبقاته المختلفة، وخصوصا كبار السن وأصحاب الثروة والجاه والمثقفين؛ والرؤساء يحظون بالطاعة العمياء والامتثال لأوامرهم دون سؤال أو تعليق [2] .

                  ومن أكثر العادات شيوعا في المجتمع التايلاندي طريقة التحية أو السلام وتسمى (Wai)، وتستخدم للتحية والوداع والشكر، وتأتي على أشكال مختلفة على حسب المكانة الشخصية والمنزلة الاجتماعية للشخص المحتفى به، وهي حركات بالأيدي والرأس تظهر المودة والاحترام بين الأصدقاء.

                  ويتبع التايلانديون الطريقة العالمية في السلام، وذلك في مجال إدارة الأعمـال فقط، أما التحية الأساسية والتقليدية لهم، فهي بضغط أصابع الكفين ممدودة على بعضهما، ورفعها حتى تمس الأنف تقريبا، مع خفض رؤوسهم إلى مستوى أدنى، وهي التحية الشهيرة، ويستخدمونها بكثرة للأشخاص المهمين، وينحنون أمام الشخص، وكلما كان الشخص مهمـا زادت الانحناءة للأسفل، وكذلك عندما يتلقون هدية أو خدمة خاصة، فيؤدون هذه التحية مع الشكر بكلمة (Khop Khun Khrab) يقولها الرجال، وكلمة (Khop Khun Kha) تقولها النساء. [ ص: 108 ]

                  والمعيار الأهم لقياس نجاح الفرد التايلاندي، هو أن يكون صبورا ومتسامحا.. ويطلقون على الشخص، الذي لا يستفز بسهولة ويغفر خطايا غيره ويكتـم غيظـه ويعفو عن الناس: (Jai Yen) أي (ذو القلب البارد)، أما الذي لا يتمـالك نفسه ويغضب بسرعة ويعتدي على الناس، فيحمل صفة (Jai Ron) أي (ذو القلب الحار)، وهي وصمة عار وخزي، ولا يتخلص منها بسهولة [3] .

                  وفي تايلاند.. أرض العجائب، يعيش قرابة عشرة ملايين مسلم، غالبهم يعتنقون المذهب السني؛ والشيعة قليل ما هم ولكن نشاطهم واضح، ويتلقون دعما خارجيا.

                  ويمكن القول: إن صوت الأغلبية يكاد يميـل نحـو التقاليد القديمة، التي توارثها المسلمون من خلال بعض المذاهب والفرق.

                  وفي خطوة لحسن نية الحـكومة التايلاندية في تعامـلها مع المسـلمين في الأقاليم الجنوبية، فقد عقدت كلية الشرطة دورة لمدة ثلاثة أشهر لخريجيها بالمحافظات الحدودية الجنوبية التايلاندية؛ لمعرفة عادات وتقاليد وثقافة قاطني الجنوب من المسلمين [4] . ويعيش مسلمو تايلاند فيما بينهم في جو يغلب عليه التعاون في أمور الخير والمساعدة في أعمال البناء، مثلا، والمسـاهمة والمشاركة في مناسبات الأفراح، والمواساة في الأحزان...إلخ. [ ص: 109 ]

                  أما العادات التي يحرصون عليها، فتتمثل في الزواج، واستقبال المولود والعقيقة، وختان الأولاد، والاحتفال بالعام الهجري الجديد في المدارس الدينية والمساجد، والاحتفال بيوم عاشوراء، اليوم العاشر من شهر محرم، وفيه يجتمع المسلمون في مساجدهم، فيصنعون طعام الحلوى باسم "بوبور شورا" [5] ، وهنـاك الاحتفـال بعيدي الفطر والأضحى في المساجد ببرامج دينية [6] ؛ كإجراء مسـابقة في القرآن الكريم



                  [7] ، ومسابقة دينية بين الطلبة المسلمين، وغير ذلك

                  [8] . [ ص: 110 ]

                  ويستـقبل المسـلمون شـهر رمضان الفضـيل، عـبر احتـفـالات تقام في المركز الإسـلامي، الذي يعتـبر المركز الرئيـس للمسـلمين في تايلاند، وتتميز هذه الاحتفالات بتوزيع الطعام والشراب وإقامة الموائد في المركز، بدءا من ليلة الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان إلى طوال الشهر الكريم، ولأنه شـهر القرآن يقـوم المسـلمون في تايلاند في رمضان كل عام بحمل الذين يحفظون القرآن بأكمله على الأكتاف في مظاهرات حب وتقدير وفرحة، ويطاف بهم في الشوارع كقدوة لبقية المسلمين، وتشجيع الشباب على حفظ القرآن.

                  وعـادة، عندما يبـدأ شهر شعبان، يتقدم المسلمون، الذين حفظوا القرآن الكريم لمجلس حفظ القرآن، الذي ينعقد طوال شهر شعبان لاختبار حفظـة القرآن، وعنـدما يبـدأ شـهر رمضان تعلن أسمـاء، الذين حفظوا القرآن الكريـم، وتتردد أسمـاؤهم على كل الألسنة، ويسمح لهم بتلاوة القرآن في المساجد [9] . [ ص: 111 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية