الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  2- الملايو.. ملمح تاريخي:

                  تعاقب على بلاد الملايو الكثير من الشعوب والمدنيات والحضارات، شأنها في ذلك شأن البلاد والأمم الأخرى، فقد قامت في المنطقة مدنيات بوذية وهندوكية، مثل مدنية فونان (Punan)، ومدنية شامبا (Champa)

                  [1] . وتقاسمت فيمـا بعد أراضي هاتين المدنيتين جمهوريتا الصين الشعبية وفيتنام، وقد [ ص: 48 ] كان شعب شامبا من أوائل الشعوب المعتنقة للإسلام منذ القرن الأول للهجرة، وكانت شامبا تستقبل التجار القادمين من أقاليم الصين، أمثال: كانتون (Cantun)، ويونان (Yunan)، وكانسو (Kansu). وكانوا يتوقفون في السواحل الشرقية لشبه جزيرة الملايو مثل: فطاني (Patani)، وكلنتن (Kelantan)، وترنجانو (Terengganu)، وفاهنج (Pahang)، ثم يتابعون سيرهم إلى مالاقا حيث الملتقى التجاري العالمي في جنوب شرق آسيا.

                  وبعـد انـدثار، فـونـان وشـامـبـا، حلت محلهمـا مدنية "سـري ويـجـايـا" البـوذيـة (Seri Wijaya)، وكان مركزها مدينة باليمبانج ( 5 -14م ) بجزيرة سومطرة، ثم مدنية ماجافاهيت (Majapahit) الهندوكية (1293-1478م)، وكانت حاضرتها جزيرة جاوا ( Jawa )، ومن آثارها معبد برو بودور (Brobodor) بمدينة جوكجاكرتا (Yuk Yakarta)، وجزيرة بالي (Bali) السياحية بأندونيسيا [2] .

                  وقد فرضت المدنيتان الأخيرتان أعرافهمـا الدينية والثقافية والسياسية على أرجاء بلاد أرخبيل الملايو. ووصل نفوذهما السياسي والتجاري إلى كل من جزيرة سيلان (سري لانكا)، وجمهورية مدغشقر (مالاجا شي) [3] ، وتمكنتا من [ ص: 49 ] نشر الديانتين البوذية والهندوكية في أوساط الشعب الملايوي، وقد كانت الديانة الأخيرة تعتمد على النظام الطبقي أساسا في اعتقاداتها.

                  ونتيجة لتغلغلها في أوساط الشعب الملايوي، ونظرا لحالة البؤس والحرمان، التي يعيشها، ظهرت فيه الطبقية الهندوسية، التي تقسم المجتمع إلى طبقات متفاوتة، أهمها: الطبقات العليا ( الراجا) أو الملوك، والطبقات السفلى (السودرا). وكان من مقتضيات هذه الطبقية أن تنشأ روح التمييز والعنصرية بين أصحاب تلك الطبقات، فكانت الطبقات العليا تنظر إلى الطبقات السفلى من العبيد والعمال على أنهم أنجاس [4] ، مما بذر في الاجتماع البشري الملايوي حينها التمايز الطبقي.

                  وقبل دخول الإسلام إلى المنطقة وانتشاره فيها، كان سكانها يدينون بعقائد راسخة الجذور لمئات السنين، كالمعتقد الإحيائي (Animism)، والديانة الهندوسية والبوذية [5] . وكانت هذه المعتقدات قد فشت وتمكنت فيهم، فلمـا دخل الإسلام وانتشر في أوساطهم لم تزل بقايا هذه المعتقدات الخرافية عالقة في نفوسهم، ولم يتم اقتلاعها بصورة كلية. ولا شك أن هذه المعتقدات والتقاليد تركت آثارا كثيرة في تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم. [ ص: 50 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية