الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  هـ- المشروع الخامس:

                  ويقوم على أرض استثمارية بمساحة (800,000 متر مربع)، ويحتضن الأحياء السكنية، ببناء وحدات سكنية عمومية، منها: ملاجئ الأيتام والأرامل، ودار المهتدين، وبيت الطلبة الوافدين، ووحدات سكنية خصوصية من فلل ومنازل متنوعة الأحجام والتصاميم تتناسب مع المتطلبات الاجتماعية والمدنية؛ بإتاحة الفرصة للامتلاك الشخصي، أو للاستثمار الشخصي، كذا إتاحة الفرصة للاستثمار الوقفي؛ بحيث يصرف ريعه في العملية التعليمية الجامعية والتعليم لمراحل الأساس، ومصاريف الشؤون العبادية والمناشط الإسلامية والمعرفية والثقافية وإحياء التراث الإسلامي؛ في بناء مجتمع نموذجي مثالي، ينشد السلام في الحياة اليومية.

                  إن هذه المشروعات الحضارية يرجى لها أن تسهم في القضاء على الثالوث المدمر: (الجهل - الفقر - المرض) في مجتمع الأقلية المسلمة بتايلاند.

                  فهي تسعى إلى توفير فرص:

                  - التعلم والتعليم، إزاء معضلة الجهل، وتحقيق توازن معادلة العلم النافع والعمل الصالح.

                  - العمل والمهن والحرف، إزاء معضلة البطالة، وأوقات الفراغ.

                  - العلاج والرعاية والعناية الصحية، إزاء معضلة المرض وعضال الداء [1] . [ ص: 184 ]

                  كما يهدف مشروع الوقف الإسلامي لـ"مدينة السلام فطاني" لتحفيز أبناء الأقلية المسلمة بتايلاند للمسارعة إلى الصدقة الجارية باسم (الوقف الإسلامي)، وإحياء ممتلكات الوقف، والاستثمار لمنافعها في سبيل الله؛ فمن ضمن الخطة الاستراتيجية الرسالية الشروع في بناء مركز خاص لمؤسسة الوقف الإسلامي داخل المدينة، على غرار وزارات ومؤسسات الأوقاف في الدول الإسلامية؛ والعمل على الإفادة من رؤاها ومهامها وأهدافها ورسالاتها وأدوارها في التنمية الشاملة المستدامة للمجتمع الإسلامي، والمساهمة في العمل لاسترداد الدور الريادي للثقافة والحضارة الإسلامية في فطاني.

                  لقد حملت جامعة فطاني على عاتقها أمانـة التركيز على إنشاء المجمع الأكاديمي [2] ، لبناء القاعدة العلمية والتقانية، التي تقوم على أرض صلبة من التعليم الجيد والتربية البانية الرشيدة والبحث العلمي المبتكر المبدع، كما تعمل الجامعة على بناء المستقبل، الذي يبدأ ببناء الإنسان القادر على الإنتاج والإبداع والتعامل مع المشكلات، التي تواجهه بالعلم وبالوعي وبالإرادة القوية.

                  والجامعة برسالتها ودورها في إحياء الحضارة الإسلامية في جنوب تايلاند، وتجسيرها بين الثقافة الإسلامية والبوذية، واضطلاعها بالعلم والمعرفة كـ(سبيل [ ص: 185 ] وحيد) لمعالجة الغلو والتطرف والتعصب، الذي سببه الجهل، وإشرافها على شبكة من المدارس الإسلامية في جنوب تايلاند، وتأهيل العاملين فيها؛ تحرص على أن يعم الإصلاح البناء جميع مجالات الحياة.

                  وجامعة فطاني ترغب في فتح جسور التواصل مع الجهات المختصة في تايلاند، للبحث في سبل تعزيز انتمـائها الوطني، وتسهيل حقوقها الدينية، وتبديد الصور النمطية السيئة عن الإسلام والمسلمين، التي تشيعها جهات إعلامية وسياسية مغرضة، بهدف إثارة الصراع بين الانتمـاءات الدينية المختلفة.

                  لهذا، تركز الجامعـة، بالتعـاون مع المؤسـسات والهيئات الإسلامية الرسمية والخيرية، في مؤتمراتها، وندواتها، ودوراتها، وورش عملها، وملتقياتها، وأعمـالها الفـكرية، والعـلمية، والثقـافية، والإعـلامية، التي تصدر عنها، على أن تكون رسالة المسلمين في المجتمع التايلاندي: "نحو رؤية منهجية للتعريف بالإسلام".

                  وتحرص الجامعة، في إطار هذه الرؤية، على العمل لمواجهة حملات تشويه صورة الإسلام، وتضع في اعتبارها جدلية الحياة، ومدافعاتها الدائمـة بين قيم الإيمـان والكفر، والعدل والظلم، والحرية والاستبداد، والمساواة والتمييز العنصري، والاختيار والإكراه، وقوة الحق وحق القوة، وأن الإسلام ضبط المسيرة الإنسانية وشرع الجهاد في سبيل تنمية قيم الحق والعدل وحمايتها؛ وآفاق الجهاد تشمل الحياة بكل أنشطتها، ولا يقتصر الجهاد على المفهوم الشائع من المواجهة المسلحة. [ ص: 186 ]

                  فلقد شرع الجهاد بمفاهيمه وميادينه ووسائله المتعددة، وفي مقدمتها الميدان الفكري ( وجاهدهم به جهادا كبيرا ) (الفرقان:52)، وجاء قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمـان بالأقدار ) [3] ، لأن التآمر مستمر إلى قيام الساعة، وهذه معركة الحياة، وسننها في ضرب الحق والباطل.

                  لكن تبقى المشكلة في فقدان التوازن واختلال النسب، وغلبة الفكر الدفاعي، وإعطاء فكرة المؤامرة أكبر من حجمها، والتركيز على تأثيرها السلبي، لتصل إلى شل الإرادة وتعطيل الطاقة، وإطفاء الفاعلية، وإلغاء (الذات) تمـاما، واستمرار حالة الوهن وتداعي الأمم وتكريس مرحلة القصعة، بدل أن تقرأ بأبجدية صحيحة، فيتم تحويلها إلى محرض حضاري ومجال تحد واستفزاز، فتكون وسيلة لتجميع الطاقة وتحريك الفاعلية، والتبصير بالطريق، والإشعار بالمسؤولية، وصقل المواهب، واكتشاف المؤهلات، وتعزيز الإيمـان، وتراكم الخبرات، وتحقيق ملكة الفرقان، وتعريف (الآخر) بإنسانية القيم الإسلامية، فيتحول من مواجهتها إلى الإيمـان بها والدفاع عنها، فليس المغلوب دائمـا مولع بتقليد حضارة الغالب، وإنمـا في كثير من الأحيان نجد أن حضارة وقيم المغلوب هي الأقوى من ساعد الغالب [4] . [ ص: 187 ]

                  كما تحرص جامعة فطاني، في إطار رؤيتها المستقبلية، على حسن التعامل مع تحديات العولمة، التي تستهدف الإسلام والمسلمين، واضعة في اعتبارها أن حقبة العولمة ولئن كان لها تحدياتها ومخاطرها، إلا أن تجربة المسلم الحضارية، من الصمود والمجاهدة التاريخية لكثير من التحديات العالمية، التي جاءت ماحقة ومدمرة لكل شيء، ما يشكل للمسلم رصيدا عظيما من الصمود والمدافعة والحوار والمواجهة والقدرة على الإفادة منها واغتنام فرصتها [5] .

                  بل إن العولمة تشـكل فرصة للدين الإسلامي الحنيف، ولحظة تاريخية قد لا تتكرر؛ ذلك أن ما تتيحه من فرص وإمكانات وما تفتحه من آفاق ومجـالات وفضـاء كبير، وما تمـد الإنسان به من إمكانات وأمداء لحواسه، وما تحققه من سرعة التواصل وأدواته ... إلخ معطيات العولمة، تشكل للمسلم اليـوم فرصـة نادرة للحرـكة والبـلوغ بقيمه ما بلغ الليل والنهار، كما تتيح له إمكانية الدخول في حقبة إظهـار الدين وظهوره على الدين كله، بعز عزيز أو بذل ذليـل، تأكيـدا لحـديث الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهـار، ولا يتـرك الله بيـت مـدر ولا وبر إلا أدخـله الله هذا الديـن، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر ) [6] . [ ص: 188 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية