الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  مسلمو تايلاند (التاريخ والمستقبل)

                  الأستاذ / محمد بن داود سماروه

                  1- رسالة المسلمين في المجتمع التايلاندي:

                  الإسلام، أول من دعا إلى فكرة المواطن العالمي والتعايش السلمي، في أمة واحـدة، بفئتيها: أمة الإجابة، وأمة الدعوة، والتمتع بالحقوق والواجبات كافة، فـ "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" [1] ، و"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" [2] ؛ فمعظم آيات القرآن المكية جاءت تؤكد الوحدة الإنسانية، وتحطم الفوارق التمييزية، وإن كان من مطالب آيات القرآن المدنية أن يكون للمسلمين كيان منظم، أو موقع جغرافي حتى يكون عطاؤهم الإنساني أفضل، فإن المنطلق من الوحدة الإنسانية، أو وحدة الأصل البشرية، من المقومات الأساسية، التي نص عليها الوحي، الذي كان عطاؤه موجها إلى العالمين، بله الغاية من الرسالة الإسلامية وإنتاجها الحضاري؛ هو إلحاق الرحمة بالناس كافة، وتحقيق ملامح السلام في العالم..

                  بهذه الرؤية تنطلق جامعة فطاني في استشرافها المستقبل؛ وفي نصب عينيها أن إشكالية الأقلية المسلمة في تايلاند هي إشكالية تعليمية، بعمقها التربوي، ومن ثم، فإن جامعة فطاني تبقى هي الأمل للارتقاء بالأقلية المسلمة [ ص: 176 ] في تايلاند، واضعة في اعتبارها أن معظم أجيال الأقلية المسلمة في تايلاند، السالفة واللاحقة؛ تلقوا خلفية العلوم الإسلامية ودرسوها في كتاتيب ومدارس إسلامية أهلية في إقليم فطاني، قبل التحاقهم بالتعليم الجامعي في جامعات العالم الإسلامي وجامعات العالم الغربي، وهؤلاء تقلدوا مناصب قيادية مختلفة في المجتمع؛ بل الكثير من أبنائهم يدرسون المرحلة الجامعية والدراسات العليا في جامعة فطاني.

                  لذا، فإن جامعة فطاني، وهي التي تستشرف المستقبل للحاق بركب الجامعات المتقدمة؛ تسعى للقيام بدور ريادي في الإسهام في تنمية مجتمعات الأقلية المسلمة بتايلاند محليا، وغيرها إقليميا وعالميا، والسير بهذه المجتمعات، من خلال أبنائها الطلبة، الذين نهلوا العلوم بها، نحو التقدم والرفاه والسؤدد؛ فهي ليست مجرد جامعة للتعليم العالي.

                  فعلى الرغـم أنه مـن المتوقع أن تقـوم الجامعـة بأداء وظائفها التدريسية أو التعليمية والبحثية، وتسخيرها لخدمة المجتمع بأسلوب يتسم بالإبداع والابتكار، وتوخي البعد عن النمط التقليدي، الذي تمارسه المؤسـسات الأكاديمية، إلا أن جامعة فطاني فوق ذلك كله تحمل في مضامينها أبعادا رسالية.

                  ويمثل قيام الجامعة منعطفا تاريخيا بارزا في مسيرة بناء وتطوير التعليم العالي الإسلامي في تايلاند، على المستوى المحلي، وفي سبيل رسالتها السامية؛ فقد استحدثت الجامعة مدينة جامعية تمثل أهمية بالغة، للقيام بهذه الرسالة، بفتح أبوابها لكل عالم أكاديمي رصين، ولكل دارس وباحث نابغ من شتى أصقاع العالم على أساس معيار الإبداع والتميز. [ ص: 177 ]

                  ومع التغيرات المتعددة في حقبة العولمة، فقد أفرزت حاجة الأقلية المسلمة بتايلاند إلى تنويع مصادر التمويل لبرامج ومناشط جامعة فطاني، وهي المؤسسة التعليمية الجامعية، التي تحمل واجهة الأمة الحضارية، وقد انبثق عنها: مؤسسة مدينة السلام الخيرية، ومجموعة فطاني جايا المحدودة؛ لمناحيها التعليمية والثقافية والاجتمـاعية والاقتصادية، عبر توظيف عصري للأوقاف في مجال التربية والتعليم؛ لإحياء سنة الوقف الإسلامي في سبيل التنمية المستدامة؛ عملا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ونهجا بسيرة الصحابة، رضي الله عنهم، وسيرا بأثر السلف الصالح، خير القرون الأولى [3] .

                  فالأمة الإسلامية اليوم، ومسلمو فطاني جزء منها؛ وهي تسعى لاستيعاب المساحات الشاسعة والميزانيات الضخمة في عملها للتعريف بالإسلام ومحو الصور النمطية السالبة عنه (الإسلاموفوبيا)؛ بحاجة إلى التجديد في وظيفة الوقف الإسلامي، ليشمل صيغا معاصرة تعالج قضايا الأمة، وتهتم بشؤونها، وتحل مجموعة من مشاكلها، لتواكب هذه المؤسسة تطلعات الأمة في بنائها الحضاري المنشود. [ ص: 178 ]

                  وبالنظر في حكمة مشروعية الوقف وأهدافه، ثمة مجال واسع رحب يمكن توظيفه للقيام بخدمات جليلة تحتاجها الأمة اليوم، ولا تتعارض مع الحكمة، التي من أجلها شرع هذا النظام التكافلي والتعاوني، الذي يدخل تحت قاعدة: (حبس الأصل وتسبيل الثمرة)، وفق صياغات جديدة وتصور معاصر لصيغ الوقف وأشكاله؛ لأن الإنسان بحاجاته المـادية وبقيمه الروحية والأخلاقية المحدد الأساس، الذي تدور عليه عملية التنمية، من أجل تحقيق تلك الحاجات وتلبية متطلبات حياته، وبهذا فإنه لابد أن تكون التنمية عامة شاملة مستمرة؛ لتنطلق كل تنمية لتحقيق هدف خدمة الإنسان، وتحقيق مصالحه وسعادته.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية