الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  د- السيخ في تايلاند

                  [1] :

                  السيخ جماعة دينية من الهنود، ظهروا في نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر الميلادي، داعين إلى دين جديد زعموا أن فيه شيئا من [ ص: 97 ] الإسلام والهندوسية تحت شعار: (لا هندوس ولا مسلمون)، وقد عادوا المسـلمين خلال تاريخهم، وبشكل عنيف، كما عادوا الهندوس بـهدف الحصول على وطن خاص بهم، مع الاحتفاظ بالولاء الشديد للبريطانيين، خلال فترة استعمار الهند.. وكلمة "سيخ" سنسكريتية (هندية قديمة) تعني المريد أو التابع.

                  تأثرت عقائد السيخ بالإسلام، فهم يدعون إلى الاعتقاد بخالق واحد، ويقولون بتحريم عبادة الأصنام، وينادون بالمساواة بين الناس، ويؤكدون على وحدانية الخالق الحي، الذي لا يموت والذي ليس له شكل ويتعدى أفهام البشر، كما يستعملون عدة أسماء للإله منها: واه غورو والجاب، وأفضلها عند (ناناك المؤسس) هو: الخالق الحق.

                  ويتميز السيخ بمهارة كبيرة في التجارة، لذلك فإنهم ما أن يدخلوا سوقا حتى يتم تكوين لوبي قوي من رجال الأعمال، الذين يجذب بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا.

                  والسيخ يتعاملون بالربا، وفي سبيل توسيع دائرة تعاملاتهم الربوية، حتى مع صغار التجار، لديهم مساعدون من أنفسهم يقومون بجمع الربا من صغار الباعة، حتى ولو كانت نسبة الربا قليلة جدا، مما أنشأ لهم شهرة لدى الباعة الصغار في الإقراض بفائدة تنافس فوائد البنوك.

                  يقيم السيخ تجارات دولية عن طريق سنغافورة، التي تعتبر من مراكز إعادة تصدير السلع، ولا يعرف بالتحديد التجارات، التي يفضل السيخ التعامل [ ص: 98 ] فيها، ولكنهم في بلدان ماليزيا وتايلاند تنتشر بينهم تجارة الأقمشة، حتى إنهم يعتبرون المحتكرين لهذا السوق في بعض المناطق.

                  للسيخ معابد خاصة بهم في كل تلك البلدان من جنوب شرق آسيا.. وفي معابدهم تنتشر الصور، وبالأخص صور زعمائهم الروحيين.. وطقوس عباداتهم تدخل فيها الموسيقى والأغاني، ويستعينون بآلات موسيقية هندية قديمة في هذه الطقوس.

                  الأعياد التي يحتفل بها السيخ هي الأعياد الهندية في الغالب، ولكن الملاحظ على الشؤون السيخية أنها تميل إلى التكتم والانزواء.

                  والسيخ في بلدان جنوب شرق آسيا حريصون على الانعزال الاجتماعي، بمنع زواج الغرباء من بناتهم، ومنع أبنائهم من الزواج بغير بناتهم، حتى إن المخالف قد يتعرض للقتل في بعض الأحيان.

                  ويصعب ممارسة الدعوة الإسلامية مع السيخ، لأن السيخي يرفض الآخر رفضا مطلقا، وخـاصة فيما يتعلق بالمعتقد، وهذا ثمرة انعزاليتهم الشـديدة، التي أورثت في قلوب المجتمـعات، التي يعيشـون فيها تحاشيا لمحيطهم وعدم الرغبة في الاحتكاك بهم.

                  وعلى الرغم من أن المسلمين هم أقرب الناس عقيدة لهم، في المجتمعات الوثنية مثل تايلاند وسنغافورة، إلا أنهم يتوددون إلى الكفار أكثر من توددهم إلى المسلمين. [ ص: 99 ]

                  ولم تفلح المحاولات في تقريب وجهات النظر بين السيخ والمسلمين، لوجود هوة عميقة بين المعتقدات وبين العادات والتقاليد، إضافة إلى أن السيخ يربون أولادهم على كراهية المسلمين وعلى النفور مما يتعلق بالمسلم.

                  وتظل الإشكالية الكبرى في التعامل مع السيخ ذلك الشعور بالعقدة الأزلية مع الهندوس والمسلمين، وهم يظنون أن هؤلاء سببوا لهم مآسي عظيمة يصعب نسيانها، ولذلك فإن هذا التفكير الراسخ في عقيدتهم الاجتماعية تجعل التوصل إلى إمكانية النقاش معهم أو الحوار مع قادتهم أمرا عسير المنال.

                  ولأجل هذه المعاني نجد أن الدعاة في معظم أنحاء العالم يتحاشون الدعوة مع السيخ؛ لوجود ذلك الجدار التاريخي الطويل، الذي يحاول السيخ أن يبقوه رمزا لخلود مبادئهم وضرورة استمرار عزلتهم

                  [2] .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية