الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مملكة فطاني

                  في التاريخ والحضارة

                  1- تسمية فطاني:

                  قيل في أصل تسمية فطاني: إنها سميت باسم شخصية محترمة لرجل يدعى "تاني" وكان ينادى "فاق تاني" (Pak Tani) أي: الأب تاني، ويقصد بكلمة "الأب" هنا الإجلال والاحترام [1] ، فعرف المكان أخيرا باسم هذا الشيـخ، أي (فاق تاني)، وبمـرور الأيام اختصر إلى اسم "فتاني" (Patani)، ثم صارت في النطق العربي باسم "فطاني" [2] .

                  وهناك من يرى أن كلمة (تاني) نسبة إلى الفلاحة والزراعة، فالمعنى على هذا النحو "الأب المزارع"

                  [3] . [ ص: 57 ]

                  وتمثل فـطاني - اليوم - مقاطعة في جنوب مملكة تـايلاند، عاصمـتها "فطاني المدينة".. والتاريخ يذكر أن فطاني كانت مملكة إسلامية [4] ؛ بل أكبر الممالك الإسلامية وأعظمها شـأنـا في عـالم المـلايو (تـانـه مـلايو)، وأن الإسلام في فطاني كتب له الانتشار المطرد أيام سلاطينها وملوكها المسلمين الملايويين، كمـا جاء في قول المسـتـشـرق "نـيـوبـولـد"، الـذي زار فـطـاني عـام (1511م)، وكـتـب عـنـهـا، ووصفها بأنها (أوسع ممالك الملايو مساحة، وأكثرها سكانا)

                  [5] ، ووصفها الرحالة البرتغالي "Godinho de Eredia" بأنها (ميتروبولية أرخبيل الملايو) [6] ، ويرجح أن قيام مملكة فطاني كان في أواسط القرن الرابع عشر الميلادي.

                  وشهدت فطاني في ظل المملكة الإسلامية حضارة صاعدة في المظاهر العمرانية كافة بشهادة المؤرخين، وكانت تشكل قوة عظمى رادعة في منطقة [ ص: 58 ] جنوب شرق آسيا، حافظت على الكيان الإسلامي [7] ، وتصدت للقوى العظمى في المنطقة آنذاك، كما تصدت للزحف الاستعماري البرتغالي في أرخبيل الملايو؛ بل أصبحت فطاني من أحد المراكز المهمة لنشر الإسلام بين تلك البلاد بسبب النشاط التعليمي ونشوء عشرات من كتاتيب التعليم الإسلامي فيها [8] .

                  وإذا ذكر تاريخ فطـاني، صـاحب ذلك قـامـات من فطـاحل العلماء، من أمثال

                  [9] : الشيخ داود بن عبد الله الفطاني (ت 1263هـ \1847م)، والشيخ أحمد بن محمد زين المصطفى الفطاني (ت 1325هـ \1908م)، والشيخ زين العابدين بن أحـمد الفطـاني، والشـيخ نيء مت كيـشـيك الفطـاني (ت 1332هـ\1915م)، والشيخ إبراهيـم بن داود بن عبد القادر الفطاني (ت 1413هـ\1993م)، وهو الملقب بـ "فقيه مكة"؛ وغيرهم من علماء مملكة فطاني، التي سقطت فعليا وأفل نجمها السياسي عام (1786م) إثر حرب ضروس بينها وبين مملكة سيام. [ ص: 59 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية