الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  4- جامعة فطاني:

                  في وسط عدد من الجامعات الدينية للنصارى والبوذيين وجامعات أخرى علمانية، تأسست جامعة فطاني (إسلامية أهلية وقفية غير ربحية).. وهي تعتمد في تشغيلها على الموارد المـالية حصيلة الهبات والصدقات والزكوات والتبرعات والأوقاف الاستثمارية من المؤسسات والهيئات الإسلامية الخيرية؛ كما تعتمد كذلك على الرسوم الدراسية والإدارية الرمزية التي يتم تحصيلها من الطلبـة، غير أن أكثرهم يعجز عن السداد، بسبب الظروف المادية، الأمر الذي يؤدي إلى شيء من التعثر في مسيرة الجامعة والاضطلاع بدورها الأكاديمي على الوجه الأكمل؛ مما قد تضطر معه إلى قيد هذه الرسوم، الدراسية والإدارية، ديونا على الطلبة إلى ما قبل التخرج، وحين يعجزون عن تسـديدها أيضـا، عـقب تحصيـلهم العـلمي والمعـرفي بالجامعـة، فيما يعرف [ ص: 129 ] بـ "الديون المتعثرة"، فإن الجامعة تقترض من عدة مؤسسات مالية محلية؛ ليتسنى لها تسيـير مختلف برامجها ومشاريعها ومناشطها المجدولة في خطتها الاستـراتيجية السنوية، ومن ثم تبحث مع المؤسسات والهيئات الخيرية الإسلامية المحلية والعالمية، سبل المعالجة، وتطرح مشروع إسقاط الديون: (تفريج الكرب المـالية عن طلبة العلم)؛ بغية التحصيل المـالي مقابل إسقاط الديون عن عواتـق الطلـبة، لصالح تسـديد الجامعة ديونـها لتلك المؤسسات المـالية؛ وهكذا دواليك.

                  وعلى كل، فإن هذه الجامعة الإسلامية، التي تمثل الواجهة الحضارية لمسلمي تايلاند، جاءت استجابة لحاجة المسلمين الملحة في تايلاند عامة، وفي جنوبها خاصة، الأمر الذي أمكن أبناء المسلمين ذوي المؤهلات العلمية حاملي الشهادات العليا والعالمية، من إنشاء هذه المؤسـسة الإسلامية الأهلية للتعليم العالي، تحمل طموح وآمال أبناء الأقلية المسلمة، تبصرهم بدورهم ورسالتهم وحضارتهم وتفقههم بدينهم، بعيدا عن التعصب والغلو، بحيث يكونوا قادرين على تقديم نماذج تثير الاقتداء وتبين الوجه الصحيح لقيم الإسلام وإنسانيته بعيدا عن العنف والمواجهة.

                  وكان بروز الجامعة إثر التوصية المباركة، التي أصدرها المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة والثلاثين بمكة المكرمة عام 1416هـ/1995م، بدعمها ماديا، بواسطة هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، وبإيعاز من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. [ ص: 130 ]

                  وكانت بواكير مشروعاتها الإنشائية والأكاديمية والمنشطية بدعم من البنك الإسلامي للتنمية، والوزارات المعنية بالشؤون الإسلامية والأوقاف وتكاتف الجامعات والهيئات والجمعيات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، وكسبت الجامعة، التي تسعى إلى بناء المرجعية الشرعية وتوجيه العلوم إسلاميا، ثقة الحكومة التايلاندية، التي منحتها الترخيص الرسمي لمزاولة رسالتها الجامعية والاعتراف رسميا بمستواها العلمي وجودتـها التعليميـة كبقيـة الجامعات الأهلية في تايلاند

                  [1] ، منذ عام 1998م.

                  ومنذئذ بدأت مسيرة النهوض بالأقلية المسلمة في تايلاند باختيار الطريق السليم والموقع الصحيح، وبتأييد فـكـري، وتشـجيع مـعـنوي من الشخصيـات العلمية الموثوقة [2] ؛ وبذلك أصبحت واجهة إسلامية حضارية تؤصل للوجود الإسلامي وتعمل على تأكيد أهمية مشاركته في بناء الوطن وحمايته من الذوبان، وتسعى جاهدة لتحقيق الوعي والتشكيل الثقافي للشباب المسلم بتايلاند، وجعله قادرا على إبصار المحاولات، التي تستهدف إبعاده عن منابع [ ص: 131 ] فكره المتقدم، ومصادر حضارته، وكيفية التعامل معها، والعمل على ربطه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه سلف الأمة الصالح.

                  إن جامعة فطاني تمثل الرباط العلمي والجهادي في الجنوب، وتضطلع بواجبات كثيرة في مواجهة تحديات العصر، تحديات التخلف الذي تعاني منه المجتمعـات الإسـلامية في أنحـاء تـايلاند، وتحديات الفرقة التي تسود، وتحديات الخـوف من القوى المهيمنة على النظام الدولي، وبعث العلوم الإسلامية في قوالبها المعاصرة بتقنيات حديثة، وتعبئة الشباب بمضامينها، بمنهاج الاعتدال والوسطية.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية