الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  مسلمو تايلاند (التاريخ والمستقبل)

                  الأستاذ / محمد بن داود سماروه

                  رؤية مستقبلية

                  تكمن الإشكالية الحقيقية في كيفية التعامل مع الخلاف والاختلاف، ذلك أن التجارب الواقعية في هذا المجال، تؤكد أن الرهان الحقيقي لا يكون على إلغاء الخلاف، أو تضميره، فهذا قد يكون مستحيلا، حيث لم يحقق نتائج تذكر في معظم الأحوال، وإنمـا الرهان على تأسيس رؤية حضارية لكيفية التعامل معه، يضمن الجميع من خلالها، تحقيق السلم الاجتماعي [1] .

                  وفي بلد شاسع مترام الأطراف، وكثير السكان، ومتنوع الديانات، ومتعدد الثقافات، ومتلون العادات والأعراف، مثل تايلاند؛ تتأكد الحاجة لمؤسسات تنموية تعليمية معرفية ثقافية اجتماعية، تبصر الواقع، بكل مكوناته ومستوياته، وتضع الخطط والاستراتيجيات، التي تقابل الحاجات المتنوعة للمستفيدين، وتراعي بناء التكامل والتعاون للارتقاء بالرسالة السامية في هذه البقعة على وجه المعمورة.

                  ولقد لحق الضرر الكثير من المؤسسات الخيرية الإسلامية في تايلاند، في السنوات الأخيرة، بسبب الأحداث الكبرى، التي مر بها العالم الإسلامي [2] . [ ص: 173 ]

                  ولمعالجة هذه الأضرار ومجابهة التحديات المعاصرة؛ غدت الحاجة ملحة إلى تأصيل وتأهيل وتفعيل الخطاب الإسلامي المعاصر للشهود الحضاري بالتعاون والتنسيق بين المؤسسات الإسلامية العاملة في المنطقة، وتشجيع التواصل والتزاور والتبادل المعرفي والتكامل في مجال الخبرات والإنجازات، للعمل على تذليل الصعوبات والمعوقات [3] .

                  ويتأكد ذلك بالنظر إلى أنه بحلول عام 2015م [4] ؛ ثمة حلف تعاوني بين دول جنوب شرقي آسيا لعشر دول، تشكل منظومة دول آسيان، بحيث يجد الناظر إلى الخارطة الجغرافية والتركيبة الديمغرافية لهذه الدول العشر أن دول الأغلبية المسلمة وفيها رعايا أقلية غير مسلمة من هذه المنظومة تقع في الجنوب، ودول الأغلبية غير المسلمة التي من رعاياها أقلية مسلمة تقع في الشمال من هذه الخارطة؛ وإقليم فطاني بتاريخه الإسلامي المجيد، هو القنطرة وجسر التواصل الحضاري بين دول الجنوب ودول الشمال.

                  لذلك، فإن من أولى الواجبات الآنية ضرورة اتخاذ خطوات شراكة إسلامية فعالة لدعم أهالي قنطرة التواصل تلك، فطاني، بتوطيد وترقية مستواهم العلمي والمعرفي والثقافي، ومساعدتهم على توكيد انتسابهم للثقافة [ ص: 174 ] الإسلامية، وحمايتهم من الذوبان وفقد الهوية، وتجديد انتمائهم للحضارة الإسلامية وإعادة بنائها، لتستأنف عطاءها من جديد؛ وهذا لا يكون إلا بالعمل للارتقاء بالتعليم العالي الإسلامي عبر الجامعات ومؤسسات التعليم، وتأتي في مقدمتها جامعة فطاني، للتوكيد على أن الإسلام دين السلام.

                  ويتطلب ذلك إعداد مشروع حضاري في بقعة ميدانية يحتضن مراكز متنوعة لمناحي الحياة الإسلامية، كما يتطلب إقامة مؤسسة خيرية وقفية، تعمل على تنظيم لقاءات سنوية ودورية، وتبذل جهدها في التشجيع على إقـامة ودعـم البرامـج التدريبيـة والتأهيليـة، وإجراء البحوث والدراسات، التي تسهـم في تطـوير أعمال القائمين بالرسالة السامية ورفع كفاءاتهم، حرصا على استدامة هذه الرسالة السامية لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ كمـا لابد من تبـني وسـائل استثـمارية تعمـل على توفير مـوارد مـاليـة ثابتة لهـذه المؤسـسة الخـيرية الوقفية، وتنمية هذه الموارد لدعم مشاريعها وبرامجها ومناشطها.

                  ومجلس أمناء جامعة فطاني ومجلسها الاستشاري مهتم بهذه المهمة؛ ويسعى لها كأنموذج قائم، مسمى مكانا وزمانا؛ بفهم متجدد، وبخطة اسـتراتيجية، على بصيرة، أصبح واقعا عمليا في (مدينة السلام فطاني: الأنموذج الحضاري للتعاون والتنسـيق الإسـلامي)، تحت إشراف مؤسسة مدينة السلام الخيرية. [ ص: 175 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية