آ . (23) قوله : إلا لمن أذن له : فيه أوجه ، أحدها : أن اللام متعلقة بنفس الشفاعة . قال : " كما تقول : شفعت له " . الثاني : أن يتعلق بـ " تنفع " ، قاله أبو البقاء . وفيه نظر : وهو أنه يلزم أحد أمرين : إما زيادة اللام في المفعول في غير موضعها ، وإما حذف مفعول " تنفع " وكلاهما خلاف الأصل . الثالث : أنه استثناء مفرغ من مفعول الشفاعة المقدر أي : لا تنفع الشفاعة لأحد إلا لمن أذن له . أبو البقاء
ثم المستثنى منه المقدر يجوز أن يكون هو المشفوع له ، وهو الظاهر ، والشافع ليس مذكورا إنما دل عليه الفحوى . والتقدير : لا تنفع الشفاعة لأحد من المشفوع لهم إلا لمن أذن تعالى للشافعين أن يشفعوا فيه . ويجوز أن يكون هو الشافع ، والمشفوع له ليس مذكورا تقديره : لا تنفع الشفاعة إلا لشافع أذن له أن يشفع . وعلى هذا فاللام في " له " لام التبليغ لا لام العلة . الرابع : أنه استثناء مفرغ أيضا ، لكن من الأحوال العامة . تقديره : لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له . وقرره فقال : " تقول : " الشفاعة " لزيد " على معنى : [ ص: 179 ] أنه الشافع كما تقول : الكرم لزيد ، وعلى معنى أنه المشفوع له كما تقول : القيام لزيد فاحتمل قوله : الزمخشري ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له أن يكون على أحد هذين الوجهين أي : لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له من الشافعين ومطلقة له ، أو لا تنفع الشفاعة إلا كائنة لمن أذن له أي : لشفيعه ، أو هي اللام الثانية في قولك : " أذن لزيد لعمرو " أي : لأجله فكأنه قيل : إلا لمن وقع الإذن للشفيع لأجله . وهذا وجه لطيف وهو الوجه " . انتهى .
فقوله : " الكرم لزيد " يعني : أنها ليست لام العلة بل لام الاختصاص . وقوله : " القيام لزيد " يعني أنها لام العلة كما هي في " القيام لزيد " . وقوله : " أذن لزيد لعمرو " يعني : أن الأولى للتبليغ ، والثانية لام العلة .
وقرأ الأخوان " أذن " مبنيا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور . والباقون مبنيا للفاعل أي : أذن الله وهو المراد في القراءة الأخرى . وقد صرح به في قوله : وأبو عمرو إلا من بعد أن يأذن الله ، إلا من أذن له الرحمن .
قوله : " حتى إذا " هذه غاية لا بد لها من مغيا . وفيه أوجه ، أحدها : أنه قوله : فاتبعوه على أن يكون الضمير في عليهم من قوله : صدق عليهم وفي " قلوبهم " عائدا على جميع الكفار ، ويكون التفزيع حالة [ ص: 180 ] مفارقة الحياة ، أو يجعل اتباعهم إياه مستصحبا لهم إلى يوم القيامة مجازا .
والجملة من قوله : " قل ادعوا " إلى آخرها معترضة بين الغاية والمغيا . ذكره الشيخ . وهو حسن .
والثاني : أنه محذوف . قال : " كأنه قيل : ولا هم شفعاء كما تحبون أنتم ، بل هم عبدة أو مسلمون أي : منقادون . ابن عطية حتى إذا فزع عن قلوبهم " انتهى . وجعل الضمير في "قلوبهم " عائدا على الملائكة . وقرر ذلك ، وضعف قول من جعله عائدا على الكفار ، أو جميع العالم وليس هذا موضع تنقيحه .
وقوله : " قالوا : ماذا " هو جواب " إذا " ، وقوله : " قالوا الحق " جواب لقوله : ماذا قال ربكم . و " الحق " منصوب بـ " قال " مضمرة أي : قالوا قال ربنا الحق . أي : القول الحق . إلا أن الشيخ رد هذا فقال : " فما قدره لا يصح لأن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها ، هم منقادون عبدة دائما ، لا ينفكون عن ذلك لا إذا فزع عن قلوبهم ، ولا إذا لم يفزع " . ابن عطية
الثالث : أنه قوله : " زعمتم " أي : زعمتم الكفر إلى غاية التفزيع ثم تركتم ما زعمتم وقلتم قال الحق . وعلى هذا يكون في الكلام التفات من خطاب في قوله : " زعمتم " إلى الغيبة في قوله : "قلوبهم " .
[ ص: 181 ] الرابع : أنه ما فهم من سياق الكلام . قال : " فإن قلت : بأي شيء اتصل قوله : الزمخشري حتى إذا فزع ولأي شيء وقعت " حتى " غاية ؟ قلت : بما فهم من هذا الكلام من أن ثم انتظارا للإذن وتوقفا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء هل يؤذن لهم ، أو لا يؤذن ؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملي من الزمان وطول من التربص . ودل على هذه الحال قوله : [تعالى رب السماوات إلى قوله : إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا فكأنه قيل : يتربصون ويتوقفون مليا فزعين وهلين ، حتى إذا فزع عن قلوبهم أي : كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن ، تباشروا بذلك ، وسأل بعضهم بعضا : ماذا قال ربكم قالوا : الحق . أي : القول الحق وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى " .
وقرأ " فزع " مبنيا للفاعل . فإن كان الضمير في " قلوبهم " للملائكة فالفاعل في " فزع " ضمير اسم الله تعالى لتقدم ذكره . وإن كان للكفار فالفاعل ضمير مغويهم . كذا قال الشيخ . والظاهر أنه يعود على الله مطلقا . وقرأ الباقون مبنيا للمفعول . والقائم مقام الفاعل الجار بعده . وفعل بالتشديد معناها السلب هنا نحو : قردت البعير أي : أزلت قراده ، كذا هنا أي : أزال الفزع عنها . ابن عامر
[ ص: 182 ] وقرأ " فزع " مبنيا للمفعول مخففا كقولك : ذهب بزيد . الحسن
أيضا والحسن وقتادة " فرغ " مبنيا للفاعل من الفراغ . وعن ومجاهد أيضا تخفيف الراء . وعنه أيضا وعن الحسن ابن عمر مشدد الراء مبنيا للمفعول . وقتادة
والفراغ : الفناء والمعنى : حتى إذا أفنى الله الوجل أو انتفى بنفسه ، أو نفي الوجل والخوف عن قلوبهم فلما بني للمفعول قام الجار مقامه . وقرأ ابن مسعود " افرنقع " من الافرنقاع . وهو التفرق . قال وابن عمر : " والكلمة مركبة من حروف المفارقة مع زيادة العين ، كما ركب " اقمطر " من حروف القمط مع زيادة الراء " . قال الشيخ : " فإن عنى أن العين من حروف الزيادة ، وكذا الراء ، وهو ظاهر كلامه فليس بصحيح ; لأن العين والراء ليسا من حروف الزيادة . وإن عنى أن الكلمة فيها حروف ما ذكر ، وزائدا إلى ذلك العين والراء ، والمادة فرقع وقمطر فهو صحيح " انتهى . وهذه قراءة مخالفة للسواد ، ومع ذلك هي لفظة غريبة ثقيلة اللفظ ، نص أهل البيان عليها ومثلوا بها . وحكوا عن الزمخشري أنه غشي عليه ذات يوم فاجتمع عليه النظارة فلما أفاق قال : " أراكم تكأكأتم علي تكأكؤكم على ذي جنة افرنقعوا عني " أي : اجتمعتم علي اجتماعكم على المجنون تفرقوا عني ، فعابها الناس عليه ، حيث استعمل مثل هذه الألفاظ الثقيلة المستغربة . عيسى بن عمر
وقرأ " الحق " بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر أي : قالوا قوله الحق . [ ص: 183 ] ابن أبي عبلة