5663 ص: وأما وجهه من طريق النظر فإنا رأينا الأصل المجتمع عليه أن شروطا صحاحا قد تعقد في الشيء المبيع مثل الخيار إلى أجل معلوم للبائع أو للمبتاع فيكون البيع على ذلك جائزا، وكذلك الأثمان قد تعقد فيها آجال يشترطها المبتاع فتكون
[ ص: 46 ] لازمة إذا كانت معلومة، ويكون البيع مضمنا بها، ورأينا ذلك الأجل لو كان فاسدا أفسد بفساده البيع، ولم يثبت البيع، وينتفي هو إذا كان معقودا فيه، فلما جعل البيع مضمنا بهذه الشرائط المشروطة في ثمنه من صحتها وفسادها فجعله جائزا بجوازها وفاسدا بفسادها، ثم كان البيع إذا وقع على المبيع وكان عبدا على أن يخدم البائع شهرا، فقد ملك البائع المشتري العبد على أن ملكه المشتري ألف درهم وخدمة العبد شهرا، والمشتري حينئذ فغير مالك للخدمة ولا للعبد؛ لأن ملكه إنما يكون بعد تمام البيع، فصار البيع واقعا بمال وبخدمة عبد لا يملكه المشتري في وقت ابتياعه بالمال وبخدمته.
وقد رأيناه لو كان البيع فاسدا، فالنظر على ذلك أن يكون البيع أيضا كذلك إذا عقد بخدمة من لم يكن تقدم ملكه له قبل ذلك العقد؛ لأن رسول الله -عليه السلام- قد نهى عن بيع ما ليس عندك، ولما كانت الأثمان مضمنة بالآجال الصحيحة والفاسدة على ما قد ذكرنا؛ كان كذلك الأشياء المثمونة أيضا المضمنة بالشرائط الفاسدة والصحيحة. ابتاع عبدا بخدمة أمة لا يملكها
فثبت بذلك أن أن البيع يفسد بفساد ذلك الشرط على ما قد ذكرنا؛ فقد انتفى قول من قال: يجوز البيع ويبطل الشرط، وقول من قال: يجوز البيع ويثبت الشرط، ولم يكن في هذا الباب قول غير هذين القولين وغير القول الآخر: أن البيع يبطل إذا اشترط فيه ما ليس منه. البيع لو وقع واشترط فيه شرط مجهول
فلما انتفى القولان الأولان ثبت القول الآخر، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهم الله -. ومحمد