الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5698 5699 5700 5701 5702 5703 5704 5705 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من الآثار التي ذكرنا أن الكلاب قد كان حكمها أن تقتل كلها، ولا يحل لأحد إمساك شيء منها، فلم يكن بيعها عندنا جائزا ولا ثمنها حلالا.

                                                فمما روي في ذلك: ما حدثنا فهد ، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: " أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب كلها، فأرسل في أقطار المدينة أن تقتل".

                                                [ ص: 81 ] حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، بن يزيد، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه قال: " سمعت رسول الله -عليه السلام- رافعا صوته يأمر بقتل الكلاب".

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن النبي -عليه السلام- أمر بقتل الكلاب".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا هارون بن إسماعيل ، قال: ثنا علي بن المبارك ، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير ، قال: حدثتني ابنة أبي رافع، عن أبي رافع: أن النبي -عليه السلام- دفع العنزة إلى أبي رافع ، فأمره أن يقتل كلاب المدينة كلها، حتى أفضى به القتل إلى كلب لعجوز، فأمره رسول الله -عليه السلام- بقتله".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو عامر العقدي (ح).

                                                وحدثنا محمد بن خزيمة وصالح بن عبد الرحمن ، قالا: ثنا القعنبي ، قال: ثنا يعقوب بن حميد بن طحلاء ، عن أبي الرجال ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبي رافع قال: "أمرني النبي -عليه السلام- بقتل الكلاب، فخرجت أقتلها لا أرى كلبا إلا قتلته، حتى أتيت موضع كذا - وسماه - فإذا به كلب يدور ببيت فذهبت أقتله فناداني إنسان من جوف البيت: يا عبد الله، ما تريد أن تصنع؟ قلت: أريد أن أقتل هذا الكلب. قالت: إني امرأة بدار مضيعة، وإن هذا الكلب يطرد عني السباع، ويؤذن بالجائي فائت النبي -عليه السلام- واذكر ذلك له.

                                                فأتيت النبي -عليه السلام- فذكرت ذلك له، فأمرني بقتله".


                                                حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا هوذة بن خليفة بن عوف ، عن الحسن ، عن عبد الله بن المغفل -رضي الله عنه-، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة -رضي الله عنها-: "أن جبريل -عليه السلام- واعد النبي -صلى الله عليه وسلم-

                                                [ ص: 82 ] ساعة يأتيه فيها، فذهبت الساعة ولم يأته، فخرج النبي -عليه السلام- فإذا بجبريل -عليه السلام- على الباب، فقال: ما منعك أن تدخل البيت؟! قال: إن في البيت كلبا وإنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة، فأمر رسول الله -عليه السلام- بالكلب فأخرج، ثم أمر بالكلاب أن تقتل".


                                                حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، قال: ثنا معاوية بن سلام ، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير ، أن السائب بن يزيد أخبره، أن سفيان بن أبي زهير أخبره، أنه سمع النبي -عليه السلام- يقول: " من أمسك الكلب فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط". .

                                                قال أبو جعفر : - رحمه الله -: فكان هذا حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساكها ولا الانتفاع بها، فما كان الانتفاع به حراما فثمنه حرام، فإن كان نهي النبي -عليه السلام- عن ثمن الكلب كان وهذا حكمها؛ فإن ذلك قد نسخ فأبيح الانتفاع بالكلاب.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه على أهل المقالة الأولى مما احتجوا به عليهم من الأحاديث المذكورة: أن هذا إنما كان حين كان حكم الكلاب أن تقتل ولا يحل إمساك شيء منها ولا الانتفاع بها، ولا شك أن ما حرم الانتفاع به كان ثمنه حراما، فلما أباح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الانتفاع بها للاصطياد ونحوه ونهى عن قتلها؛ نسخ ما كان من النهي عن بيعها وتبادل ثمنها.

                                                فإن قيل: ما وجه هذا النسخ؟

                                                قلت: وجهه ظاهر، وهو أن الأصل في الأشياء الإباحة، فلما ورد النهي عن اتخاذ الكلاب وورد الأمر بقتلها، علمنا أن اتخاذها حرام، وأن بيعها حرام أيضا؛ لأن ما كان الانتفاع به حراما فثمنه حرام كالخنزير ونحوه.

                                                ثم لما وردت الإباحة بالانتفاع بها للاصطياد ونحوه وورد النهي عن قتلها؛ علمنا أن ما كان قبل ذلك من الحكمين المذكورين قد انتسخ بما ورد بعده، ولا شك أن الإباحة بعد التحريم نسخ لذلك التحريم ورفع لحكمه.

                                                [ ص: 83 ] قوله: "فمما روي في ذلك" إشارة إلى بيان ما روي من الأمر بقتل الكلاب، ومن النهي عن اتخاذها، فمن ذلك: ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا فهدا.

                                                واسم أبي أسامة حماد بن أسامة القرشي الكوفي .

                                                وأخرجه مسلم: عن أبي بكر بن أبي شيبة ... إلى آخره نحوه.

                                                الثاني: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبيد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

                                                وأخرجه البخاري: من حديث مالك ، عن نافع، عن ابن عمر: "أن رسول الله -عليه السلام- أمر بقتل الكلاب".

                                                الثالث: رجاله كلهم أيضا رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي: عن وهب بن بيان ، عن ابن وهب ... إلى آخره.

                                                ومنها ما رواه أبو رافع -رضي الله عنه-. وأخرجه من ثلاث طرق:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن هارون بن إسماعيل الخزاز البصري ، عن علي بن المبارك الهنائي البصري ، عن يحيى بن أبي كثير الطائي ، عن ابنة أبي رافع، عن أبي رافع، أن النبي -عليه السلام-... إلى آخره.

                                                وأبو رافع اسمه إبراهيم، ويقال: أسلم، ويقال: ثابت، ويقال: هرمز، وهو مولى النبي -عليه السلام- كان للعباس فوهبه للنبي -عليه السلام-، فلما بشره بإسلام عباس أعتقه،

                                                [ ص: 84 ] شهد أحدا والخندق وما بعدها من المشاهد ولم يشهد بدرا، وكان إسلامه قبل بدر، مات بالمدينة في خلافة علي -رضي الله عنه-.

                                                واسم ابنته سلمى، ذكر في "التكميل" جماعة ممن روى عن أبي رافع، ثم قال في آخرهم: وابنته سلمى. أي: وروى عنه أيضا ابنته سلمى.

                                                والحديث أخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا محمد بن أبي بكر، نا هارون الخزاز، نا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثتني بنت أبي رافع، عن أبي رافع: "أن رسول الله -عليه السلام- دفع العنزة إلى أبي رافع فأمره أن يقتل كلاب المدينة، فقتلها حتى أفضى به القتل إلى كلب لعجوز، فأمر رسول الله -عليه السلام- أن يقتله" انتهى.

                                                "والعنزة": مثل نصف الرمح أو أكبر سنا، وفيها سنان مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها.

                                                قوله: "حتى أفضى به القتل" أي انتهى به القتل إلى كلب لعجوز.

                                                الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء المدني ، عن أبي الرجال - جمع رجل - محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، عن أبي رافع قال: "أمرني النبي -عليه السلام-..." إلى آخره.

                                                وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

                                                وأخرجه أبو يعلى أيضا بهذا الإسناد والمتن، وقال: ثنا المقدمي، نا أبو عامر، ثنا يعقوب بن محمد ... إلى آخره.

                                                قوله: "بدار مضيعة" بفتح الميم وكسر الضاد المعجمة على وزن مفعلة، من الضياع وهو الإطراح والهوان، فكأنها فيها ضائع.

                                                [ ص: 85 ] قوله: "ويؤذن" من الإيذان وهو الإعلام.

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن صالح بن عبد الرحمن، كلاهما عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن يعقوب بن محمد بن طحلاء ... إلى آخره.

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح.

                                                ومنها ما رواه عبد الله بن المغفل: أخرجه عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي ، عن هوذة بن خليفة بن عبد الله البكراوي البصري الأصم ، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي ، عن الحسن البصري ، عن عبد الله بن المغفل المزني الصحابي -رضي الله عنه-. وعن أحمد: هوذة عن عوف ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به.

                                                والحديث أخرجه النسائي: أنا عمران بن موسى، ثنا يزيد بن زريع، نا يونس ، عن الحسن ، عن عبد الله بن المغفل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم، وأيما قوم اتخذوا كلبا ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط".

                                                قوله: "أمة" أي: جيل وطائفة، يقال لكل جيل من الحيوان والناس: أمة. وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن الكلاب من الجن وهي ضعفة الجن، فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا إليها الشيء فإن لها أنفسا، يعني أعينا".

                                                وقال إسماعيل بن أمية: أمتان من الجن مسختا وهما الكلاب والحيات.

                                                وروى إسماعيل المكي ، عن أبي رجاء العطاردي، قال: سمعت ابن عباس يقول: "السود من الكلاب الجن والبقع منها الحن".

                                                [ ص: 86 ] وأنشد بعضهم في الجن والحن قول الشاعر:


                                                أبيت أهوى في شياطين ترن مختلف نجواهم جن وحن



                                                وقال الجوهري: الحن - بالكسر - حي من الجن، قال الراجز: أبيت أهوى... إلى آخره.

                                                ورجل محنون: أي مجنون، وبه حنة: أي جنة، ويقال: الحن خلق بين الجن والإنس. انتهى.

                                                وقال صاحب "العين": الحن حي من الجن منهم الكلاب البهم، يقال منه: كلب حني.

                                                وقال أبو عمر في "التمهيد": وعن أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الجن ثلاثة أثلاث: فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وثلث حيات وكلاب، وثلث يحلون ويظعنون".

                                                وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "الجن ثلاثة أثلاث: فثلث كلاب وحيات وخشاش الأرض، وثلث ريح هفافة، وثلث كبني آدم لهم الثواب وعليهم العقاب. وخلق الله الإنس ثلاثة أثلاث: فثلث لهم قلوب لا يفقهون بها، وأعين لا يبصرون بها وآذان لا يسمعون بها إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

                                                وثلث أجسادهم كأجساد بني آدم وقلوبهم قلوب الشياطين.

                                                وثلث في ظل الله يوم القيامة".


                                                قوله: "كل أسود بهيم" البهيم في الأصل الذي لا يخالط لونه لون سواه وإنما خص البهيم لأنه أكثر الكلاب أذى وأبعدها من تعلم ما ينفع؛ ولذلك روي أن الكلب الأسود البهيم شيطان، أي بعيد من المنافع قريب من المضرة والأذى، وهذه أمور لا تدرك بنظر ولا يوصل إليها بقياس، وإنما ينتهى فيها إلى ما جاء عنه -عليه السلام-.

                                                [ ص: 87 ] وقال أبو عمر: احتجت طائفة بحديث عبد الله بن المغفل أن الأمر بقتل الكلاب منسوخ، واحتجوا أيضا بما رواه سعيد بن المسيب: "أن رسول الله -عليه السلام- أمر بقتل الكلاب ثم قال: إنها أمة ولا أحب أن أفنيها، ولكن اقتلوا كل أسود بهيم".

                                                وقد قال ابن جريج في حديث أبي الزبير ، عن جابر -رضي الله عنه-: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقتل الكلاب. قال: فكنا نقتلها حتى قال: إنها أمة من الأمم، ثم نهى عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود ذي الذقين - أو قال: ذي النكتتين - فإنه شيطان".

                                                ومنها ما روته عائشة -رضي الله عنها-:

                                                أخرجه عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عائشة -رضي الله عنها-.

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا يزيد، أنا محمد - يعني ابن عمرو - عن أبي سلمة ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "واعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليه السلام- في ساعة أن يأتيه فيها، فراث عليه أن يأتيه فيها، فخرج رسول الله -عليه السلام- فوجده بالباب قائما، فقال رسول الله -عليه السلام-: إني انتظرتك لميعادك؟! فقال: إن في البيت كلبا ولا ندخل بيتا فيه كلب؛ ولا صورة، وكان تحت سرير عائشة -رضي الله عنها- جرو كلب؛ فأمر به رسول الله -عليه السلام- فأخرج، ثم أمر بالكلاب حين أصبح فقتلت".

                                                قوله: "إنا لا ندخل بيتا فيه كلب" قيل: هو خصوص لجبريل -عليه السلام- وحده، بدليل الحفظة، وقيل: بل الملائكة على عموم الحديث.

                                                قلت: الظاهر أن المراد منه الملائكة كلهم غير الحفظة؛ لأن الحفظة لا يفارقون بني آدم، والله أعلم.

                                                [ ص: 88 ] ومنها ما رواه سفيان بن أبي زهير -رضي الله عنه-:

                                                أخرجه عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن يحيى بن صالح الوحاظي أبي زكرياء الشامي الدمشقي شيخ البخاري ، عن معاوية بن أبي سلام الحبشي الأسود ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن السائب بن يزيد الصحابي ، عن سفيان بن أبي زهير واسمه القرد الأزدي الشنائي .

                                                وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه البخاري في "الزراعة": عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد ، عن سفيان بن أبي زهير ، عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "من اقتنى كلبا لا يغني عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط".

                                                وأخرجه أيضا في "بدء الخلق": عن القعنبي ، عن سليمان بن بلال .

                                                وأخرجه مسلم: نا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك ، عن يزيد بن خصيفة ... إلى آخره.

                                                قوله: "كل يوم قيراط" أراد بالقيراط ها هنا جراما، وهو في الأصل جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين، والياء فيه بدل من الراء؛ فإن أصله قراط، ويجمع على قراريط، وقد جاء في حديث آخر "قيراطان". وفي الرواية الأخرى "نقص من عمله" والكل يرجع إلى معنى واحد: أي من أجر عمله.

                                                [ ص: 89 ] ثم قيل: يحتمل ذلك لما يدخله من الروع على المسلمين والأذى لهم يكتسب من الإثم بما ينقص من أجر عمله هذا المقدار ويوازنه لو لم يكن.

                                                وقيل: بل ذلك عقوبة له لاتخاذه ما نهي عنه وعصيانه في ذلك.

                                                وقيل: بل إن امتناع دخول الملائكة بيته بسببه.

                                                وقيل: بل لما يكتسبه من مراقبة أحكام اتخاذه من غسل الإناء من ولوغها ومن نجاستها - عند من يراها نجسة - وأنه لا يكاد يتحفظ منه ويراعي ذلك، فيدخل عليه الإثم من أجله، فيدخل عليه في هذه الوجوه من السيئات ما ينقص عمله وأجره في يومه.

                                                وقيل: يكون ذلك بذهاب أجره في إحسانه إليه من أن في الكل ذي كبد رطبة أجر، فقد يمحق أجره في ذلك وينقصه ما يلحق مقتنيه من السيئات بترك أدائه العبادات فيه ومراعاة أحكامه، أو لترويع غيره.

                                                وقيل: يختص هذا النقص من البر ما يطابق الإثم وهو أجره من تغيير المنكر كل يوم فينتقص منه ذلك القدر لموافقته في اتخاذ الكلب مثله، والله أعلم بما أراد رسوله.

                                                وذكر القيراط هنا تقدم لمقدار الله أعلم به وما جاء في الحديث الآخر من قوله: "قيراطان"، فقيل: يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب أحدهما أشد أذى من الآخر، أو لمعنى فيهما، أو يكون في اختلاف المواقع فيكون القيراطان في المدينة خاصة والقيراط في غيرها، أو القيراطان في المدائن والحواضر والقيراط في غيرها، أو يكون ذلك في زمنين فذكر القيراط أولا ثم أراد التغليظ فذكر القيراطين، والله أعلم بمراده.




                                                الخدمات العلمية