الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5281 ص: فذهب قوم إلى أن ما غنمه أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها؛ لأن أهل الحرب - في قولهم - لا يملكون أموال المسلمين بأخذهم إياها من المسلمين، وقالوا: قول النبي -عليه السلام- للمرأة التي أخذت العضباء: "لا نذر لابن آدم فيما لا يملك" دليل على أنها لم تكن ملكتها بأخذها إياها من أهل الحرب، وأن أهل الحرب لم يكونوا ملكوها من النبي -عليه السلام-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشافعي والظاهرية؛ فإنهم قالوا: ما غنمه أهل الحرب من أموال المسلمين مردود على المسلمين قبل القسمة وبعدها ... إلى آخره، وبه قال ابن المنذر .

                                                واعلم أن ها هنا خمس مذاهب:

                                                الأول: هذا.

                                                والثاني: أنه لا يرد شيء من ذلك إلى صاحبه لا قبل القسمة ولا بعدها، لا بثمن ولا بغير ثمن، وهو لمن صار في سهمه. وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وإليه ذهب الحسن البصري وقتادة .

                                                والثالث: أنه إن أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه، فإن لم يدرك حتى قسم فهو للذي وقع في سهمه لا يرد إلى صاحبه لا بثمن ولا بغيره، روي ذلك عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهو قول القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بكر بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وأحمد بن حنبل .

                                                والرابع: أنه إن أدرك قبل القسمة رد إلى صاحبه بغير ثمن وإن لم يدرك إلا بعد

                                                [ ص: 412 ] القسمة فصاحبه أحق به بقيمته. وروي ذلك أيضا عن عمر بن الخطاب، وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وشريح ومجاهد والأوزاعي ومالك .

                                                والخامس: قول أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري ، وهو: أن ما أبق إلى المشركين من عبد لمسلم فإنه مردود إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وكذلك ما غنموه من مدبر ومكاتب وأم ولد، وأما ما غنموا من الإماء والعبيد والمتاع والحيوان فإن أدرك قبل أن يدخلوا به دار الحرب ثم غنمه المسلمون رد إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها بلا ثمن، وإن دخلوا به دار الحرب ثم غنمه المسلمون رد إلى صاحبه قبل القسمة، وأما بعد القسمة فصاحبه أحق به بالقيمة إن شاء، وإلا فلا يرد إليه.




                                                الخدمات العلمية