الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5191 ص: حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن يحيى بن سعيد ، عن عمر بن كثير بن أفلح ، عن أبي محمد مولى أبي قتادة ، عن أبي قتادة بن ربعي ، -رضي الله عنه- أنه قال: " خرجنا مع رسول الله -عليه السلام- عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، قال: فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته بالسيف على حبل عاتقه ضربة حتى قطعت الدرع؛ فأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلقيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله، ثم إن الناس رجعوا، فقال رسول الله -عليه السلام-: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، . قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثانية، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت، فقال رسول الله -عليه السلام-: ما لك يا أبا قتادة؟! ؟ فاقتصصت عليه القصة، فقال رجل من القوم: : صدق يا رسول الله، وسلب ذلك القتيل عندي فارضه مني يا رسول الله، فقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: لا هاء الله إذا، لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه، . فقال رسول الله -عليه السلام-: صدق، فأعطه إياه، فقال أبو قتادة: فأعطانيه، فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة، ؛ فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام". .

                                                [ ص: 253 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 253 ] ش: الحديث أخرجه مالك في "موطئه".

                                                وأخرجه البخاري: عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك نحوه.

                                                ومسلم: عن أبي الطاهر ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك .

                                                والترمذي: عن الأنصاري ، عن معن، عن مالك مختصرا.

                                                قوله: "عام حنين" كان عام حنين سنة ثمان من الهجرة.

                                                قوله: "جولة" من جال يجول جولة: إذا دار.

                                                قوله: "على حبل عاتقه" هو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب، وقيل: هو عرق أو عصب هناك، ومنه قوله تعالى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد الوريد: عرق في العنق، وهو الحبل أيضا فأضافه إلى نفسه لاختلاف اللفظين.

                                                قوله: "لا هاء الله إذا لا يعمد" هكذا جاء الحديث "لا هاء الله إذا" والصواب "لا هاء الله ذا" بحذف الهمزة، ومعناه: لا والله لا يكون ذا، أو: لا والله الأمر ذا، فحذف تخفيفا، ولكن في ألف "ها" مذهبان:

                                                أحدهما: تثبت ألفها؛ لأن الذي بعدها مدغم مثل دابة.

                                                والثاني: أن يحذفها لالتقاء الساكنين.

                                                قوله: "إلى أسد من أسد الله" الأول: بفتح الهمزة والسين مفرد، والثاني: بضم الهمزة وسكون السين، جمع أسد.

                                                قوله: "فابتعت به مخرفا" أي اشتريت به مخرفا، والمخرف - بكسر الميم -:

                                                [ ص: 254 ] الجنينة الصغيرة، قاله ابن وهب. وقال غيره: هو ما يخرف أي: يحفظ ويجتنى، وهو الحائط الذي فيه تمر قد طاب وبدا صلاحه، قالوا: والحائط يقال له بالحجاز: الخارف، والخارف بلغة اليمن: الذي يجنى لهم الرطب، وقال الأخفش: المخرف - بكسر الميم -: القطعة من النخل التي يخترف منها التمر، والمخرف بفتح الميم المحل أيضا.

                                                والمخرف - بفتح الميم -: النخل أيضا.

                                                قوله: "تأثلته" أراد به أول مال اقتناه وجمعه، ومن اكتسب ما يبقى فقد تأثل، قال امرؤ القيس:


                                                ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي



                                                يقال: مال مؤثل ومجد مؤثل، أي: مجموع ذو أصل، وأثلة الشيء: أصله.




                                                الخدمات العلمية