الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5250 ص: وحدثنا سليمان بن شعيب ، عن أبيه ، عن أبي يوسف ، قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني ، عن محمد بن أبي المجالد ، عن عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ منه حاجته". .

                                                فإذا كان الطعام لا بأس بأخذه وأكله واستهلاكه لحاجة المسلمين إلى ذلك، كان كذلك أيضا لا بأس بأخذ الثياب والدواب واستعمالها للحاجة إلى ذلك حتى لا يكون الذي أريد من حديث ابن أبي أوفى هذا غير ما أريد من حديث رويفع؛ ؛ حتى لا يتضادا، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، - رحمهم الله -.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا الحديث شاهدا لما ذكره قبله من الأحكام.

                                                وأخرجه بإسناد صحيح: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن أبيه شعيب بن سليمان بن سليم الكوفي ، عن الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، عن أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان فيروز الشيباني روى له الجماعة.

                                                عن محمد بن أبي المجالد الكوفي مولى عبد الله بن أبي أوفى، روى له البخاري وأبو داود والنسائي، وسماه عبد الله بن أبي المجالد .

                                                [ ص: 363 ] عن عبد الله بن أبي أوفى - واسم أبي أوفى علقمة - بن خالد الأسلمي، له ولأبيه صحبة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث هشيم، ثنا الشيباني وأشعث بن سوار ، عن محمد بن أبي المجالد قال: "بعثني أهل المسجد إلى ابن أبي أوفى أسأله ما صنع النبي -عليه السلام- في طعام خيبر؟ فأتيته فسألته: هل خمسه؟ قال: لا، كان أقل من ذلك، وكان أحدنا إذا أراد منه شيئا أخذ منه حاجته" انتهى.

                                                وهذا يدل أن الانتفاع بالأكل والشرب والعلف والحطب يجوز عند الحاجة إليه.

                                                وقال ابن قدامة: أجمع أهل العلم - إلا من شذ منهم - على أن للغزاة إذا دخلوا دار الحرب أن يأكلوا مما وجدوا من الطعام ويعلفوا دوابهم من أعلافهم منهم: سعيد بن المسيب وعطاء والحسن والشعبي والقاسم وسالم والثوري والأوزاعي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي.

                                                وقال الزهري: لا يؤخذ إلا بإذن الإمام.

                                                وقال سليمان بن موسى: لا يترك إلا أن ينهى عنه الإمام.

                                                وقال أيضا: إن وجد دهنا فهو كسائر الطعام، وإن كان غير مأكول فاحتاج أن يدهن به أو يدهن به دابته، فظاهر كلام أحمد جوازه إذا كان من حاجة، وقال في زيت الروم: إذا كان من ضرورة أو صداع فلا بأس، فأما التزين فلا يعجبني.

                                                وقال الشافعي: ليس له دهن دابته من جرب ولا يوقحها إلا بالقيمة، وله أكل ما يتداوى به، وشرب الشراب من السكنجبين والجلاب وغيرهما عند الحاجة إليه؛ لأنه من الطعام.

                                                وقال أصحاب الشافعي: ليس له تناوله؛ لأنه من القوت ولا يصلح به القوت.

                                                [ ص: 364 ] قال أحمد: ولا يغسل ثوبه بالصابون، ولا يجوز الانتفاع بجلودهم واتخاذ النعل والجرب منها ولا الخيوط ولا الحبال، وبهذا قال ابن محيريز ويحيى بن أبي كثير وإسماعيل بن عياش والشافعي .

                                                ورخص في اتخاذ الجرب من جلود المغنم سليمان بن موسى، ورخص مالك في الإبرة والحبل يتخذ من الشعر والنعل والخف يتخذ من جلود البقر، فأما كتبهم فإن كانت مما ينتفع به ككتب الطب واللغة والشعر فهي غنيمة، وإن كانت مما لا ينتفع به ككتاب التوراة والإنجيل فأمكن الانتفاع بجلودها أو ورقها بعد غسله فهو غنيمة وإلا فلا، ولا يجوز بيعها، انتهى.

                                                وقال الكاساني في "البدائع": لا بأس بالانتفاع بكل ما كان مأكولا مثل السمن والزيت والخل، وله أن يدهن به نفسه ودابته، وما كان من الأدهان لا يؤكل من البنفسج والخيرى فلا ينبغي أن ينتفع به، والله أعلم.

                                                ***




                                                الخدمات العلمية