الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5322 [ ص: 454 ] ص: وخالفهم في ذلك آخرون فلم يروا بذلك بأسا، وكان من الحجة لهم في ذلك: أن ذلك لو كان مكروها لكان ركوب البغال مكروها؛ لأنه لولا رغبة الناس في البغال وركوبهم إياها إذا لما أنزيت الحمير على الخيل، ألا ترى أنه لما نهى عن إخصاء بني آدم كره بذلك اتخاذ الخصيان؛ لأن في اتخاذهم ما يحضهم على إخصائهم؛ ولأن الناس إذا تحاموا كسبهم لم يرغب أهل الفسق في إخصائهم.

                                                وقد حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا القواريري ، قال: ثنا عفيف بن سالم ، قال: ثنا العلاء بن عيسى الذهلي قال: أتي عمر بن عبد العزيز بخصي، فكره أن يبتاعه، وقال: ما كنت لأعين على الإخصاء". .

                                                فكل شيء في ترك كسبه ترك لأهل بعض المعاصي لمعصيتهم فلا ينبغي كسبه، . فلما أجمع على إباحة اتخاذ البغال وركوبها؛ دل ذلك على أن النهي الذي في الآثار الأول لم يرد به التحريم، ولكنه أريد به معنى آخر.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء وفقهاء الأمصار منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور، فإنهم قالوا: لا بأس بإنزاء الحمير على الخيل.

                                                قوله: "وكان من الحجة لهم" أي: من البرهان والدليل لهؤلاء الآخرين. وباقي الكلام ظاهر.

                                                وقال الخطابي في هذا الموضع: يشبه أن يكون المعنى في ذلك -والله أعلم- أن الحمر إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل عددها وانقطع نماؤها، والخيل يحتاج إليها للركوب والجهاد، ولحمها مأكول ويسهم للفرس، وليس للبغل شيء من هذه الفضائل، فأحب -عليه السلام- أن ينمو عدد الخيل فيكثر نسلها لما فيه من النفع والصلاح، ولكن قد يحتمل أن يكون حمل الخيل على الحمير جائز؛ لأن الكراهية في هذا الحديث إنما جاءت في حمل الحمير على الخيل لئلا تشتغل أرحامها بنسل الحمر فيقطعها ذلك عن نسل الخيل، فإذا كانت الفحولة خيلا والأمهات حمرا فقد يحتمل

                                                [ ص: 455 ] أن لا يكون داخلا في النهي، إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل من مزاوجة الحمر وكراهية اختلاط مائها بمائها لئلا يضيع طرفها، ولئلا يكون منه الحيوان المركب من النوعين المختلفين؛ فإن أكثر المركبات المتولدة من جنسين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التي تتولد منها وأشد شرا، كالسباع والعقبان، وكذلك البغل لما يعتريه من الشماس والحران ونحوهما من الآفات والعيوب، ثم هو حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء ولا يزكى.

                                                قلت: هذا ليس بسديد؛ فإن الله تعالى قال: والخيل والبغال والحمير فذكر البغال وامتن علينا بها كامتنانه بالخيل، وأفرد ذكرها بالاسم الخاص الموضوع لها، ونبه على ما فيها من الأرب والمنفعة، والمكروه من الأشياء مذموم لا يستحق المدح ولا يقع بها امتنان، وقد استعمل -عليه السلام- البغل وركبه حضرا وسفرا، وكان يوم حنين على بغلته كما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى، ولو كان مكروها لم يقتنه.

                                                قوله: "وقد حدثنا..." إلى آخره. بيان لما ذكره من قوله: "ولأن الناس إذا تحاموا كسبهم".

                                                أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن القواريري، هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي أبو سعيد البصري، شيخ الشيخين وأبي داود .

                                                وهو يروي عن عفيف بن سالم الموصلي وثقه يحيى وأبو داود والنسائي وابن حبان ، عن العلاء بن عيسى الذهلي [.....].




                                                الخدمات العلمية