5216 ص: وأما ما احتجوا به من فعل أبي بكر -رضي الله عنهما-، وأن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ينكروا ذلك عليهما، فإن هذا مما يسع فيه اجتهاد الرأي، فرأيا هما ذلك واجتهدا، فكان ما أداهما إليه اجتهادهما ما رأيا من ذلك، فحكما به، وهو الذي كان عليهما وهما في ذلك مثابان مأجوران. وعمر
وأما قولهم: "ولم ينكر ذلك عليهما أحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فكيف يجوز أن ينكر ذلك عليهما أحد وهما إماما عدل رأيا رأيا فحكما به، وفعلا في ذلك الذي
[ ص: 306 ] كلفا؟! ولكن قد رأى في ذلك غيرها من أصحاب رسول الله -عليه السلام- خلاف ما رأيا فلم يعنفوهما فيما حكما به من ذلك؛ إذ كان الرأي في ذلك واسعا والاجتهاد للناس جميعا، فادعى أبا بكر -رضي الله عنهما- رأيهما في ذلك إلى ما رأيا وحكما، وأدى غيرهما ممن خالفهما اجتهاده في ذلك إلى ما رآه، وكل مأجور في اجتهاده في ذلك مثاب مؤد للفرض الذي عليه، ولم ينكر بعضهم على بعض قوله؛ لأن ما خالفه إليه هو الرأي، والذي قاله مخالفه هو رأي أيضا، ولا توقيف مع أحد منهما لقوله من كتاب ولا سنة ولا إجماع. وعمر
والدليل على أن أبا بكر -رضي الله عنهما- قد كانا خولفا فيما رأيا من ذلك قول وعمر "قد كنا نرى أنا نحن هم قرابة رسول الله -عليه السلام- فأبى ذلك علينا قومنا" فأخبر أنهم رأوا في ذلك رأيا أباه عليهم قومهم، وأن ابن عباس: -رضي الله عنه- دعاهم إلى أن يزوج منهم أيمهم ويكسو منه عاريهم، قال: "فأبينا عليه إلا أن يسلمه لنا كله"؛ فدل ذلك أنهم قد كانوا على هذا القول في خلافة عمر بعد عمر -رضي الله عنهما-، وأنهم لم يكونوا نزعوا عما كانوا رأوا من ذلك لرأي أبي بكر ولا لرأي أبي بكر فدل ما ذكرنا أن حكم ذلك كان عند عمر، أبي بكر -رضي الله عنهما- وعند سائر أصحاب رسول الله -عليه السلام- كحكم الأشياء التي يختلف فيها التي يسع فيها اجتهاد الرأي. وعمر