5230 [ ص: 332 ] ص: ووجب بعد ذلك أن نكشف وجه هذا الباب لنعلم كيف حكمه من طريق النظر، فكان الأصل في ذلك أن الإمام إذا قال في حال القتال: أن ذلك جائز، ولو قال: "من قتل قتيلا فله سلبه" كان ذلك جائزا أيضا، ولو قال: "من قتل قتيلا فله كذا وكذا درهما" "من قتل قتيلا فله عشر ما أصبنا" لم يجز ذلك؛ لأن هذا لو جاز جاز أن تكون الغنيمة كلها للمقاتلين فيبطل حق الله - عز وجل - فيها من الخمس، فكان النفل لا يكون قبل القتال إلا فيما أصابه المنفل بسيفه، ولا يجوز فيما أصاب غيره إلا أن يكون حكمه حكم الإجارة فيجوز ذلك كما تجوز الإجارة، كقوله: من قتل قتيلا فله عشرة دراهم، فذلك جائز.
فلما كان ما ذكرنا كذلك ولم يجز النفل إلا فيما أصاب المنفل بسيفه أو فيما جعل له بعمله، ولم يجز أن ينفل مما أصاب غيره؛ كان النظر على ذلك أيضا أن يكون بعد إحراز الغنيمة أحرى أن لا يجوز أن ينفل مما أصاب غيره.
ففسد بذلك قول من أجاز ورجعنا إلى حكم ما أصابه هو، فكان ذلك قبل أن ينفله الإمام إياه قد وجب حق الله - عز وجل - في خمسه، وحق المقاتلة في أربعة أخماسه، فلو أجزنا النفل إذا لكان حقهم قد بطل بعد وجوبه، وإنما يجوز النفل فيما يدخل في ملك المنفل من ملك العدو، فأما ما قد زال عن ملك العدو وصار في ملك المسلمين، فلا نفل في ذلك؛ لأنه من مال المسلمين، فثبت بذلك أن لا نفل بعد إحراز الغنيمة على ما قد فصلنا في هذا الباب وبينا، وهذا قول النفل بعد إحراز الغنيمة، أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهم الله -. ومحمد