الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن شهدا : أن هذا العبد ابن أمة فلان : لم يحكم له به حتى يقولا : ولدته في ملكه ) هذا المذهب ، وقيل : يكفي بأن أمته ولدته ، وتقدم ذلك في " باب اللقيط " محررا عند قوله " وإن ادعى إنسان أنه مملوكه " فليعاود . [ ص: 19 ]

فائدتان

إحداهما : قوله ( وإن شهدا : أن هذا الغزل من قطنه ، أو الطير من بيضته ، أو الدقيق من حنطته : حكم له بها ) بلا نزاع ، لكن لو شهد : أن هذه البيضة من طيره : لم يحكم له بها ، على الصحيح من المذهب ، جزم به المصنف ، والشارح ، وغيرهما ، وقدمه في الفروع ، وغيره ، وقيل : يحكم له بها . الثانية : قوله ( وإذا مات رجل ، فادعى آخر : أنه وارثه ، فشهد له شاهدان : أنه وارثه ، لا يعلمان له وارثا سواه : سلم المال إليه ، سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة ، أو لم يكونا ) هذا المذهب ، قاله في الفروع ، وغيره ، وجزم به في الوجيز ، وغيره ، وقدمه في الشرح ، وغيره ، واختاره أبو الخطاب ، وغيره ، وقال المصنف والشارح : يحتمل أن لا يقبل ، إلا أن يكونا من أهل الخبرة الباطنة ، لأن عدم علمهم بوارث آخر ليس بدليل على عدمه ، بخلاف أهل الخبرة الباطنة ، فإن الظاهر أنه لو كان له وارث آخر : لم يخف عليهم . انتهى . وصححه الناظم ، وقال في الفروع : وقيل : يجب الاستكشاف مع فقد خبرة باطنة ، فيأمر من ينادي بموته ، وليحضر وارثه ، فإذا ظن أنه لا وارث : سلمه من غير كفيل ، على الصحيح من المذهب ، [ ص: 20 ] وقيل : لا يسلمه إلا بكفيل ، قال في المحرر : حكم له بتركته إن كان الشاهدان من أهل الخبرة الباطنة ، وإلا ففي الاستكشاف معا وجهان . انتهى . فعلى المذهب : يكمل لذي الفرض فرضه ، وعلى الثاني وجزم به في الترغيب يأخذ اليقين ، وهو ربع ثمن للزوجة عائلا ، وسدس للأم عائلا من كل ذي فرض ، لا حجب فيه ولا يقين في غيره ، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : لا بد أن تقيد المسألة بأن لا يكون الميت ابن سبيل ولا غريبا .

قوله ( وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره في هذا البلد احتمل أن يسلم المال إليه ) وهو المذهب ، جزم به في الوجيز ، ومنتخب الأدمي ، وقدمه في المحرر ، والفروع ، قال الشارح : وذكر ذلك مذهبا للإمام أحمد رحمه الله ، واحتمل : أن لا يسلم إليه حتى يستكشف القاضي عن خبره في البلدان التي سافر إليها ، قال الشارح : وهو أولى إن شاء الله تعالى ، وأطلقهما ابن منجا في شرحه ، والناظم ، قال في المحرر : حكم له بالتركة إن كانا من أهل الخبرة الباطنة ، وفي الاستكشاف معها وجهان ، وقال في الانتصار ، وعيون المسائل : إن شهدا بإرثه فقط : أخذها بكفيل ، وقال في الترغيب وغيره وهو ظاهر المغني في كفيل بالقدر المشترك وجهان ، واستكشافه كما تقدم ، [ ص: 21 ] فعلى المذهب : لو شهد الشاهدان الأولان : أن هذا وارثه : شارك الأول ، ذكر ابن الزاغوني ، وهو معنى كلام أبي الخطاب ، وأبي الوفاء ، واقتصر عليه في الفروع .

فائدة :

لو شهدت بينة : أن هذا ابنه ، لا وارث له غيره ، وشهدت بينة أخرى : أن هذا ابنه لا وارث له غيره : قسم المال بينهما ، لأنه لا تنافي ، ذكره في عيون المسائل ، والمغني ، والشرح ، والنظم ، وغيرهم ، واقتصر عليه في الفروع ، قال المصنف في فتاويه : إنما احتاج إلى إثبات أنه لا وارث له سواه ; لأنه يعلم ظاهرا ، فإن بحكم العادة يعلمه جاره ، ومن يعرف باطن أمره ، بخلاف دينه على الميت : لا يحتاج إلى إثبات أنه لا دين عليه سواه ; لخفاء الدين ; ولأن جهات الإرث يمكن الاطلاع على تعين انتقالها ، ولا ترد الشهادة على النفي مطلقا بدليل المسألة المذكورة ، والإعسار والبينة فيه ، تثبت ما يظهر ويشاهد ، بخلاف شهادتهما : أنه لا حق له عليه ، قال في الفروع : ويدخل في كلامهم : قبولها إذا كان النفي محصورا ، كقول الصحابي رضي الله عنه { دعي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فقام وطرح السكين وصلى ، ولم يتوضأ } ، ولهذا قيل للقاضي : أخبار الصلاة على شهداء أحد مثبتة ، وفيها زيادة ، وأخباركم نافية ، وفيها نقصان ، والمثبت أولى ؟ ، فقال : الزيادة هنا مع النافي ; لأن الأصل في الموتى : الغسل والصلاة ، ولأن العلم بالترك ، والعلم بالفعل : سواء في هذا المعنى ، ولهذا يقول : إن من قال " صحبت فلانا في يوم كذا فلم يقذف فلانا " تقبل شهادته كما تقبل في الإثبات ، [ ص: 22 ] وذكر القاضي أيضا : أنه لا تسمع بينة المدعى عليه بعين في يده . كما لا تسمع بأنه لا حق عليه في دين ينكره ، فقيل له : لا سبيل للشاهدين إلى معرفته ، فقال : لهما سبيل ، وهو إذا كانت الدعوى ثمن مبيع فأنكره ، وأقام البينة على ذلك ، فإن للشاهدين سبيلا إلى معرفة ذلك ، بأن يشاهداه أبرأه من الثمن ، أو أقبضه إياه ، فكان يجب أن يقبل . انتهى . وفي الروضة في مسألة النافي لا سبيل إلى إقامة دليل على النفي ، فإن ذلك إنما يعرف بأن يلازمه الشاهد من أول وجوده إلى وقت الدعوى ، فيعلم سبب اللزوم قولا وفعلا ، وهو محال . انتهى . وفي الواضح : العدالة تجمع كل فرض ، وترك كل محظور ، ومن يحيط به علما ؟ الترك نفي ، والشاهد بالنفي لا يصح . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية