5123 5124 5125 5126 5127 ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا حجة لكم في هذا الحديث؛ لأن رسول الله -عليه السلام- إنما كان يقاتل قوما لا يوحدون الله - عز وجل -، فكان أحدهم إذا وحد الله - عز وجل - علم بذلك تركه لما قوتل عليه وخروجه منه، ولم يعلم بذلك دخولهم في الإسلام أو بعض الملل التي توحد الله وتكفر به بجحدها رسله، وغير ذلك من الوجوه التي يكفر بها أهلها مع توحيدهم لله - عز وجل -، فكان حكم هؤلاء أن لا يقاتلوا إذا وقعت هذه الشبهة حتى تقوم الحجة على من يقاتلهم بوجوب قتالهم؛ فلهذا كف رسول الله -عليه السلام- عن قتال من كان يقاتل بقولهم لا إله إلا الله، فأما من سواهم من اليهود فإنا قد رأيناهم يشهدون أن لا إله إلا الله ويجحدون النبي -عليه السلام-، فليسوا بإقرارهم بتوحيد الله - عز وجل - مسلمين؛ إذ كانوا جاحدين برسول الله -عليه السلام-، فإذا أقروا برسول الله -عليه السلام- علم بذلك خروجهم من اليهودية ولم يعلم به دخولهم في الإسلام؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا قد انتحلوا قول من يقول: إن محمدا رسول الله إلى العرب خاصة، وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بعث -رضي الله عنه- إلى علي بن أبي طالب خيبر وأهلها
[ ص: 183 ] يهود؛ بما حدثنا ، ثنا يونس ، قال: أخبرني ابن وهب يعقوب بن عبد الرحمن ، عن ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، -رضي الله عنه-، عن أبي هريرة علي -رضي الله عنه- حين وجهه إلى خيبر قال: امض ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك، فسار علي -رضي الله عنه- شيئا ثم وقف فصرخ فقال: يا رسول الله على ماذا أقاتل؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله". رسول الله -عليه السلام-: "لما دفع الراية إلى .
ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- قد كان أباح له قتالهم وإن شهدوا أن لا إله إلا الله حتى يشهدوا مع ذلك أن محمدا رسول الله؛ لأنهم قد كانوا يوحدون الله - عز وجل - ولا يقرون برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليا -رضي الله عنه- بقتالهم حتى يعلم خروجهم مما أمر بقتالهم عليه من اليهودية، كما أمر بقتال عبدة الأوثان حتى يعلم خروجهم مما قوتلوا عليه، وليس في إقرار اليهود أيضا بأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ما يجب أن يكونوا مسلمين، ولكن النبي -عليه السلام- أمر بترك قتالهم إذا قالوا ذلك؛ لأنه قد يجوز أن يكونوا أرادوا به الإسلام أو غير الإسلام، فأمر بالكف عن قتالهم حتى يعلم ما أرادوا بذلك، كما ذكرنا فيما تقدم من مشركي العرب، وقد أتى اليهود إلى رسول الله -عليه السلام- فأقروا بنبوته ولم يدخلوا في الإسلام، فلم يقاتلهم على إبائهم الدخول في الإسلام إذ لم يكونوا عنده بذلك الإقرار مسلمين.
حدثنا إبراهيم بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود ، وأبو أمية وأحمد بن داود ، قالوا: ثنا وعبد العزيز بن معاوية، (ح). أبو الوليد
وحدثنا قال: ثنا أبو بكرة، (ح). أبو داود
وحدثنا أبو بشر الرقي ، ثنا (ح). حجاج بن محمد
وحدثنا ثنا ابن أبي داود، قالوا: ثنا عمرو بن مرزوق؛ ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة عبد الله بن سلمة ، عن صفوان بن عسال: " ،
[ ص: 184 ] تعال حتى نسأل هذا النبي، فقال له الآخر: لا تقل له: نبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة عين، فأتاه فسأله عن هذه الآية: ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال: لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ليقتله، ولا تقذفوا المحصنة، ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت. قال: فقبلوا يده وقالوا: نشهد إنك نبي، قال: فما يمنعكم أن تتبعوني، قالوا: إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخشى إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود". أن يهوديا قال لصاحبه:
ففي هذا الحديث أن اليهود كانوا أقروا بنبوة رسول الله -عليه السلام- مع توحيدهم لله تعالى فلم يأمر بترك قتالهم رسول الله -عليه السلام- حتى يقروا بجميع ما يقر به المسلمون، فدل ذلك أنهم لم يكونوا بذلك القول مسلمين، وثبت أن الإسلام لا يكون إلا بالمعاني التي يدل على الدخول في الإسلام، وترك سائر الملل.