5241 [ ص: 347 ] ص: فإن قال قائل: قد يجوز أن يكون -رضي الله عنه- لم يفعل في السواد ما فعل من ذلك من جهة ما قلتم، ولكن لأن المسلمين جميعا رضوا بذلك، والدليل على أنهم قد رضوا بذلك أنه جعل الجزية على رقابهم، فلم يخل ذلك من أحد وجهين: عمر
إما أن يكون جعلها ضريبة للمسلمين لأنهم عبيد لهم.
أو أن يكون جعل ذلك عليهم كما يجعل الجزية على الأحرار؛ لتحقن بذلك دماؤهم.
فرأيناه قد أهمل نساءهم ومشايخهم وأهل الزمانة منهم وصبيانهم، وإن كانوا قادرين على الاكتساب أكثر مما يقدر عليه بعض البالغين، فلم يجعل على أحد مما ذكرنا شيئا من ذلك، فدل ما بقي من ذلك أن ما أوجب ليس لعلة الملك، ولكنه لعلة الذمة، وقبل ذلك جميع من افتتح تلك الأرض، فكان أخذهم ذلك منه دليلا على إجازتهم لما كان عمر -رضي الله عنه- فعل من ذلك.
ثم رأيناه وضع على الأرض شيئا مختلفا، فوضع على جريب الكرم شيئا معلوما، ووضع على جريب الحنطة شيئا معلوما، وأهمل النخل فلم يأخذ منها شيئا. فلم يخل ذلك من أحد وجهين:
إما أن يكون يملك به القوم الذين قد ثبتت جزيتهم ثمار أراضيهم والأرض ملك المسلمين، أو يكون جعل ذلك عليهم كما جعل الخراج على رقابهم، ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه بغير أخذ الخراج.
فإن حملنا ذلك على التمليك من -رضي الله عنه- إياهم ثمر النخل والكرم بما جعل عليهم مما ذكرنا، جعل فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله -عليه السلام- من بيع السنين ومن بيع ما ليس عندك، فاستحال أن يكون الأمر على ذلك. عمر
ولكن الأمر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما تقدم على أن يكون ملكهم لذلك ملكا خراجيا هذا حكمه فيما يجب عليهم فيه، وقبل
[ ص: 348 ] الناس منه جميعا ذلك، وأخذوا منه ما أعطاهم مما أخذ منهم، فكان قبولهم لذلك إجازة منهم لفعله.
قالوا: فلهذا جعلنا أهل السواد مالكين لأرضيهم وجعلناهم أحرارا للعلة المتقدمة، وكل هذا فإنما كان بإجازة القوم الذين غنموا تلك الأرضين، ولولا ذلك لما جاز وكانوا على ملكهم.
قالوا: فكذلك نقول: خمسها لله - عز وجل -، وأربعة أخماسها للذين افتتحوها، ليس للإمام منعهم من ذلك إلا أن تطيب أنفس القوم بتركها كما طابت أنفس الذين افتتحوا السواد كل أرض مفتتحة عنوة فحكمها أن تقسم كما تقسم الأموال: -رضي الله عنه- بما ذكرنا. لعمر