الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا

        خالد المشيقح - أ.د/ خالد بن علي بن محمد المشيقح

        صفحة جزء
        المطلب الثاني: الوقف على دور العلم

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: الوقف على الأزهر:

        يعتبر الأزهر من أهم المدارس العلمية الشرعية في تاريخ الإسلام; إذ عاش الأزهر يؤدي رسالته في نشر العلم وخدمة العلماء وطلاب العلم أكثر من ألف عام، والذي ضمن للأزهر هذا الاستمرار بتوفيق من الله هو الوقف الإسلامي الذي دعمه اقتصاديا، وحماه من انقلابات الدول، وكفاه شر المحن المتعاقبة على مدى تاريخه الطويل.

        الأوقاف الإسلامية التي يرصدها أهل البذل من الحكام والأثرياء، كانت ضمانا للاستمرارية في أداء رسالته. [ ص: 156 ]

        ففي العصر الفاطمي توجد عدة وثائق ونصوص تلقي ضوءا على الموارد الأولى للأزهر، وأولى هذه الوثائق وأهمها سجل صدر عن الحاكم بأمر الله ابن العزيز بالله في رمضان سنة 400 هـ، ويوقف فيه بعض أملاكه من دور وحوانيت ومخازن لينفق من ريعها على الجامع الأزهر، والجامع الحاكمي، وجامع براشدة، وجامع المقدس، ودار العلم بالقاهرة، ويفرد فيه لكل منها نصيب خاص ويفصل وجوه النفقة فيها.

        ومن ذلك فيما يختص بالجامع الأزهر، رواتب الخطيب والمشرف والأئمة، وما ينفق على فرش الجامع وتأثيثه وإنارته من الحصر والقناديل والزيت، وعلى إصلاحه وتنظيفه، وإمداده بالماء وغير ذلك من وجوه الإنفاق، وقد فصل ذلك تفصيلا شاملا في وثيقة كاملة أثبتها المقريزي بنصها في خططه.

        وتعد هذه أول وثيقة لوقفية صدرت عن أحد خلفاء الفاطميين، ورتبت للأزهر بعض النفقات، وينقل المقريزي عن المسبحي - مؤرخ الدولة الفاطمية - في حوادث سنة 405 هـ، في عصر الحاكم بأمر الله أيضا أنه قرئ في شهر صفر سجل بتحبيس عدة ضياع وغيرها على القراء والفقهاء والمؤذنين بالجامع، وأرزاق المستخدمين « ويفهم من الشطر الأول من هذا النص بأن القراء والأساتذة بالأزهر كانوا من المنتفعين بموارد الأعيان المحبوسة في هذا السجل ».

        وفيها أمران:

        الأمر الأول: أنواع الأوقاف على الأزهر:

        كانت الأوقاف التي تحبس على الأزهر إما أن تكون للأزهر بصفة عامة، [ ص: 157 ] وذلك مثل الوقفية السالفة التي أوقفها الحاكم بأمر الله في سنة 400 هـ - وإما أن تخصص للأروقة المختلفة بالأزهر، أو لأساتذة المذاهب الأربعة، أو للإنفاق على تدريس مادة معينة، ولا سيما علوم القرآن والحديث.

        وقد ظلت هذه الموارد الخاصة تنمو على مر العصور، وتوالت أوقاف أهل البذل من السلاطين والأمراء والكبراء على الجامع الأزهر خلال العصور، وكان الحكام يعززونها جيلا بعد جيل.

        وقد استمرت هذه الموارد تزداد شيئا فشيئا حتى تضخمت، وبلغت الأوقاف المصرية العامة طبقا لإحصاء سنة 1812م (1223 هـ ) 600000 فدان، أي: أنها كانت تزيد على خمس جميع الأراضي المصرية; لأن إحصاء جميع الأراضي المصرية سنة 1813م بلغت فيه مساحة الأراضي المصرية كلها2500000 فدان.

        وكانت الدولة تعين ناظرا على أوقاف الأزهر من المماليك يتولى الإشراف على أوقاف الأزهر وإدارتها والصرف على الأزهر في العصر المملوكي والعصر العثماني، وشيئا فشيئا تدخل العلماء إلى أن أصبحوا يتولون النظارة على أوقاف الأزهر، وعلى كثير من الأوقاف الخاصة بالمساجد والمدارس والأسبلة، وخاصة في نهاية العصر العثماني.

        وكانت تلك الأوقاف مصدر قوة للجامع الأزهر، وقد حققت له استقلالا ذاتيا عن التأثيرات السياسية، والمذهبية.

        فلم يعرف عنه طوال عصوره شيء من ذلك، بل عاش علماء الأزهر وطلابه معززين مكرمين بمنأى عن الخضوع لأحد، ومارس علماؤه حرية مطلقة في اختيار الدراسات والبحوث والموضوعات التي تلقى على الطلاب، وفي انتقاء الكتب التي يقرؤها المشايخ عليهم دون إشراف من أحد أو توجيه منه. [ ص: 158 ]

        الأمر الثاني: جهود العلماء في الحفاظ على موارد الأزهر:

        تصدى علماء الأزهر لكل من أراد المساس بأوقاف وأرزاق العلماء.

        فعندما كثرت الأوقاف أراد بعض الحكام الاستيلاء عليها، فأراد السلطان (الظاهر برقوق ) نقض كل ما أرصده الملوك على المساجد والمدارس والأسبلة وغيرها من وجوه البر، وقال: إن هذه الأراضي أخذت بالحيلة من بيت المال، وقد استوعبت نصف أراضي الدولة، وعقد لذلك مجلسا حافلا من العلماء لأخذ الرأي والفتوى في هذا الأمر، وحضر المجلس الشيخ (أكمل الدين) شيخ الحنفية في عصره، والشيخ (سراج الدين عمر البلقيني ) ، والشيخ (البرهان ابن جماعة ) وغيرهم من علماء العصر.

        فاتفقوا على أن ما أرصده الملوك والأمراء من رزق خرج من بيت المال لا سبيل إلى نقضه.

        وانفصل المجلس على هذا.

        وفي سنة 1121 هـ تصدى علماء المذاهب الأربعة للوالي التركي إبراهيم باشا القبودان; لأنه أراد نقض ما أرصده أكابر مصر على الزوايا والمساجد والمدارس، وأعلنوا فتواهم في جرأة بأنه لا يجوز نقض ما حبسه أهل البر من الأراضي والعقارات والأرزاق، حيث كان المرصد عليهم من العلماء، والفقراء، والأيتام، وطلبة العلم.

        وكان في مقدمة هؤلاء العلماء الذين تصدوا لهذه الفتوى: الشيخ علي ابن السيد علي الحسيني الحنفي، والشيخ علي العقدي الحنفي، والشيخ أحمد النفراوي المالكي، والشيخ محمد شنن المالكي، والشيخ أحمد الشرقي شيخ رواق المغاربة بالأزهر، والشيخ محمد الزرقاني شارح الموطأ، والشيخ عبد الباقي القليبي المالكي، والشيخ عبد ربه الديوي الشافعي، [ ص: 159 ] والشيخ منصور المنوفي، والشيخ محمد الأحمد الشافعي، والشيخ أحمد المقدسي الحنبلي .

        وقد كتب هؤلاء العلماء السالفون فتواهم على طريقة السؤال والجواب، وعقدوا اجتماعا في بيت « قيطاس بك الغفاري » حينئذ، وحضر الاجتماع جمع غفير من أكابر مصر وحكامها وعلمائها وغيرهم، وقرأ عليهم هذه الفتوى الشيخ عيسى الصفتي فاستحسنها الحاضرون، ثم أرسلوها إلى الوالي التركي إبراهيم باشا المذكور فعاند في ذلك، فكتب العلماء والأكابر عريضة إلى السلطان، وأرسلوا معها هذه الفتوى إلى السلطان أحمد خان الخليفة العثماني، فأمر بكتابة خط شريف بإبقاء الإرصادات والمرتبات على ما هي عليه من غير نقض ولا إبرام، وأرسلت تلك الأوامر السلطانية إلى مصر، وانتصر العلماء في الدفاع عن حقوقهم.

        وقد تولى بعض العلماء النظارة على الأوقاف وعلى الأخص قبل استيلاء محمد علي باشا عليها.

        *فالشيخ عبد الله الشرقاوي شيخ الأزهر (ت1223 هـ ) تولى النظر على الأوقاف الآتية:

        وقف كل من عمرو بن العاص رضي الله عنه، وإبراهيم بن سعد الحبال في 19 من شوال سنة 1213 هـ.

        وقف علي باشا في 26 ذي القعدة 1213 هـ.

        - النظر على وقف إسماعيل المعاجني في 16 جمادى الأولى سنة 1220 هـ.

        - النظر على وقف شقرون المغربي في 26 من ربيع الأول سنة 1224 هـ. [ ص: 160 ]

        * والشيخ محمد المهدي (ت 1230 هـ ) الذي عاصر فترة ما قبل الحملة الفرنسية وما بعدها تذكر تقارير النظار أنه تولى النظارة على الأوقاف التالية: النظر على وقف نفيسة خاتون بنت حسين جروبجي في ذي القعدة سنة 1205 هـ.

        - النظر على أوقاف السلطان الغوري في أول ذي الحجة 1213 هـ.

        - النظر على وقف السلطان برقوق وولده فرج وأتباعه في 23 من جمادى الآخرة سنة 1214 هـ.

        - النظر على أوقاف الإمامين الشافعي والليث في 6 رجب سنة 1224 هـ.

        * والشيخ محمد الأمير (ت 1232 هـ ) تولى النظر على الأوقاف التالية: - النظر على أوقاف الجامع الأزهر في 13 رمضان 1220 هـ.

        - النظر على أوقاف الحرمين الشريفين في 16 من جمادى الآخرة سنة 1203 هـ.

        - النظر على وقف القاضي عبد الكريم بن غنام، وعلى زاويته المعروفة بالغنامية في 13 من جمادى الأولى سنة 1221 هـ.

        * والشيخ محمد أبو الأنوار وفا السادات (ت 1228 هـ ) تولى النظر على:

        وقف الحسين رضي الله عنه، وابنته زينب في جمادى الآخرة سنة 1202 هـ.

        - النظر على وقف طومان باي في 25 جمادى الآخرة سنة 1214 هـ.

        * والشيخ عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ (1168 - 1240 هـ ) تولى النظر على وقف زاوية الشيخ عبد الكريم المعروفة بزاوية الأحمدية في 24 من محرم سنة 1220 هـ.

        - النظر على وقف السلطان إنيال، وأحمد بن إنيال في 6 من جمادى الآخرة سنة 1203 هـ. [ ص: 161 ]

        *والشيخ عبد الرحمن السجيني تولى النظر على وقف المدرسة الصالحية (مدرسة الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة ) في 10 رمضان 1208 هـ.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية