الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الخامس: الشرط الخامس: أن يكون الموقوف عليه متحقق الحياة

        الوقف على الجنين (الحمل)

        وفيه مسائل:

        المسألة الأولى: الوقف على الحمل أصالة:

        اختلف الفقهاء - رحمهم الله - في حكم الوقف على الحمل الموجود حال الوقف وحده دون أن يكون معه غيره، كأن يقول: وقفت داري هذه على حمل هذه المرأة، أو على من سيولد لي منها، على قولين:

        القول الأول: صحة الوقف على الحمل وحده.

        وبه قال المالكية، لكنه غير لازم قبل الولادة، فللواقف بيع الوقف قبل الولادة. [ ص: 441 ] وقال المرداوي: « صحح ابن عقيل جواز الوقف على الحمل ابتداء، واختاره الحارثي».

        القول الثاني: عدم صحة الوقف على الحمل وحده.

        وبه قال الحنفية، والشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة.

        جاء في الإنصاف: « قوله (والحمل) يعني: لا يصح الوقف على الحمل، وهذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم، منهم ابن حمدان وصاحب الفائق والوجيز والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم، وصحح ابن عقيل جواز الوقف على الحمل ابتداء، واختاره الحارثي.

        قال في الفروع: ولا يصح على حمل بناء على أنه تمليك إذا، وأنه لا يملك، وفيهما نزاع ».

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل القائلون بصحة الوقف على الحمل أصالة بما يلي:

        1 - عموم أدلة الوقف.

        2 - القياس على الوصية، والوصية للحمل وحده جائزة إجماعا، [ ص: 442 ] فكذلك الوقف عليه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بوجود الفارق بين الوقف والوصية؛ لأن الوقف تسليط في الحال فضاهى الهبة، بخلاف الوصية؛ لأنها تتعلق بالاستقبال.

        وأجيب: بأن كون الوقف في الحال، والوصية في الاستقبال لا أثر له.

        3 - أن الحمل يملك بالميراث بالإجماع، فكذا الوقف.

        أدلة القول الثاني:

        استدل القائلون بعدم صحة الوقف على الحمل أصالة دون غيره بما يلي:

        1 - أن الوقف على الجنين في حكم المعلق على شرط، ومن شرط صحة الوقف أن يكون ناجزا.

        ونوقش هذا الاستدلال: أنه لا يسلم كون الوقف ناجزة، كما سبق تحريره.

        2 - أن الوقف تمليك منجز أشبه الهبة، فلا يصح على من لا يملك، والحمل لا يصح تمليكه بغير إرث أو وصية.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - صحة الوقف على الحمل وحده؛ لقوة دليله، وضعف دليل القول الآخر بما ورد عليه من مناقشة، ولما تقدم من أن الوقف فعل خير ومعروف، فلا يمنع منه إلا بدليل.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية