الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        الفصل الثالث

        الوقف على العلم، والمحافظة عليه من قبل العلماء

        وفيه مبحثان:

        المبحث الأول: الوقف على العلم.

        المبحث الثاني: محافظة العلماء على الوقف. [ ص: 152 ] [ ص: 153 ]

        المبحث الأول: الوقف على العلم

        أدى الوقف دورا رائدا ومتميزا في دعائم الحركة العلمية والثقافية في أنحاء العالم الإسلامي، وكان السبب الرئيس لأغلب الإنجازات العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وحقق حضارة علمية شهدت بها الأعداء في وقت كان العالم يجتاحه الجهل والتخلف والظلام من جميع النواحي.

        في عهد هشام الثالث في الأندلس كتب جورج الثاني ملك إنجلترا، والسويد، والنرويج إلى هشام الثالث ما يأتي:

        صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام:

        بعد التعظيم والتوقير، فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يجتاحها الجهل من أركانها الأربعة، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة « دوبانت » على رأس بعثة بنات الإنجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش، والتماس العطف، ولتكن مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتي يستوفرن على تعليمهن، وقد أرفقت الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص.

        من خادمكم جورج. [ ص: 154 ]

        وفيه مطلبان:

        المطلب الأول: شرعيته

        الوقف على العلم،
        وما يتعلق به من إنشاء المدارس والمعاهد، والجامعات، والمكتبات، وصرف الرواتب على الطلبة والمعلمين مما لا خلاف فيه بين المسلمين.

        فالإنفاق على العلم من الإنفاق في سبيل الله وطرق الخير والبر; إذ هو من أعظم جهات البر والإنفاق على العلم يعدل الإنفاق على الجهاد في سبيل الله; لأن الجهاد جهادان:

        جهاد بالعلم والبيان، وكان هذا جهاده صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية.

        وجهاد بالسيف والسنان، وهذا جهاده صلى الله عليه وسلم في المرحلة المدنية مع الجهاد السابق.

        قال ابن نجيم رحمه الله: « فعلى هذا إذا وقف على طلبة علم بلدة كذا يجوز... ».

        قال ابن عابدين: رحمه الله: « مطلب في حكم الوقف على طلبة العلم قوله: وإن على طلبة العلم: ظاهره: صحة الوقف عليهم ».

        وقال الخرشي رحمه الله: « ويتأبد الوقف إذا قال تصدقت على الفقراء والمساكين، أو على المساجد، أو طلبة العلم، وما أشبه ذلك ». [ ص: 155 ]

        وقال النووي رحمه الله: « وإن وقف على جهة معصية كعمارة الكنائس فباطل، أو جهة قربة كالفقراء، والعلماء، والمساجد، والمدارس صح ».

        وفي مغني المحتاج: « والمراد بالعلماء: أصحاب علوم الشرع ».

        وفي كشاف القناع: « الشرط الثاني: أن يكون الوقف على بر... كالفقراء والمساكين والغزاة والعلماء والمتعلمين وكتابة القرآن... والمساجد والمدارس... ».

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية