الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        (16 ) 15 - ما رواه البخاري ومسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله ورسوله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا قد احتبس درعه وأعتده في سبيل الله ».

        قال النووي: « وفيه دليل على صحة الوقف ». [ ص: 81 ]

        وقال ابن حجر: « واستدل بقصة خالد على مشروعية تحبيس الحيوان والسلاح ».

        (17 ) 16 - ما رواه ابن شبة من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه: أن عمر رضي الله عنه قطع لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ينبع، ثم اشترى علي إلى قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عينا، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فأتي علي فبشر بذلك، فقال: يسر الوارث... ثم تصدق بها على الفقراء والمساكين، وفي سبيل الله، وابن السبيل القريب والبعيد، وفي السلم، وفي الحرب ليوم تبيض فيه وجوه، وتسود وجوه; ليصرف الله بها وجهي عن النار ».

        [منقطع]; محمد بن علي بن الحسين لم يسمع من جده علي رضي الله عنه.

        17 - حكى القرطبي، رحمه الله إجماع الصحابة على جواز الوقف فقال: « إن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا، وعائشة، وفاطمة، وعمرو بن العاص، وابن الزبير، وجابرا، كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة ».

        (18 ) ما رواه الخصاف في أحكام الأوقاف قال: محمد بن عمر [ ص: 82 ] الواقدي حدثني قدامة بن موسى بن بشير مولى المازنيين قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: « لما كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صدقته في خلافته دعا نفرا من المهاجرين والأنصار فأحضرهم وأشهدهم على ذلك فانتشر خبرها، قال جابر: فما أعلم أحدا ذا مقدرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالا من ماله صدقة موقوفة لا تشترى ولا تورث ولا توهب ».

        قال قدامة بن موسى: وسمعت محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة يقول: ما أعلم أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بدر من المهاجرين والأنصار إلا وقد وقف من ماله حبسا لا يشترى ولا يورث ولا يوهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

        وقال الشافعي: « بلغني أن أكثر من ثمانين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات، ... وقد حفظنا الصدقات عن عدد كثير من المهاجرين والأنصار، وإن نقل الحديث فيها كالتكلف ». [ ص: 83 ]

        قال ابن حزم: « جملة صدقات الصحابة بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد ».

        وقال البغوي: « والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من المتقدمين لم يختلفوا في إجازة وقف الأرضين وغيرها من المنقولات، وللمهاجرين والأنصار أوقاف بالمدينة وغيرها لم ينقل عن أحد منهم أنه أنكره، ولا عن واقف أنه رجع عما فعله لحاجة وغيرها ».

        وقال ابن قدامة عن قول جابر رضي الله عنه: « لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذا مقدرة إلا وقف » قال: « وهذا إجماع منهم، فإن الذي قدر منهم على الوقف وقف وأشهر ذلك، فلم ينكره أحد، فكان إجماعا ».

        ونوقش الاستدلال بأوقاف الصحابة -رضي الله عنهم-: بأنها لا تخلو من أمرين:

        أحدهما: أن تكون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أنها كانت قبل نزول سورة النساء، فلم تقع حبسا عن فرائض الله تعالى.

        الثاني: أن تكون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا يحتمل أن ورثتهم أمضوها بالإجازة، وهذا هو الظاهر، ولا كلام فيه.

        وأجيب: بأنه مردود; إذ إن قولهم: إنها كانت قبل نزول سورة النساء يرده وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة كما أوضحناه سابقا.

        في حين أن سورة النساء، وأخص آية المواريث، نزلت قبل ذلك بكثير; (19 ) لما رواه الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو، عن عبد الله بن [ ص: 84 ] محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالا، ولا تنكحان إلا ولهما مال، قال: « يقضي الله في ذلك » فنزلت: آية الميراث، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما، فقال: « أعط ابنتي سعد الثلثين، وأعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك.

        ولا يخفى أن أحدا كانت في السنة الثالثة من الهجرة، فأين هي من السنة السابعة التي وقع فيها أول وقف في الإسلام على قول بعض أهل العلم كما سبق بيانه. [ ص: 85 ]

        وأما قولهم: إن ما كان بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أمضاها ورثة الصحابة بالإجازة فهو قول مردود - أيضا - .

        فقد ترك عمر رضي الله عنه ولديه زيدا وأخته صغيرين جدا وكذلك عثمان وعلي رضوان الله عليهم وغيرهم، فلو كان الحبس غير جائز لما حل ترك أنصباء الصغار تمضي حبسا، ولا يخفى أن الصغار ليسوا من أهل الإجازة والتبرعات.

        18 - أن الوقف جائز; لأنه إزالة ملك يلزم بالوصية، فإذا نجزه حال الحياة لزم من غير حكم كالعتق.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية