الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية: أن يكون الوقف على جهة عامة:

        وفيه أمران: الأمر الأول: الوقف على الحربيين، والمرتدين: اختلف العلماء في حكم الوقف على الحربيين والمرتدين على قولين: [ ص: 428 ] القول الأول: عدم صحة الوقف على الحربيين والمرتدين.

        وهو قول جمهور العلماء.

        القول الثاني: صحة الوقف على الحربيين والمرتدين.

        وهو وجه عند الشافعية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        1 - ما تقدم من الأدلة على عدم صحة الوقف إذا كان على جهة خاصة من الحربيين والمرتدين، فالجهة العامة من باب أولى.

        2 - أن الجهة جهة معصية .

        دليل القول الثاني:

        ما سيأتي من الأدلة على صحة الوقف على أهل الذمة.

        ونوقش: بالفرق بين الحربيين وأهل الذمة؛ إذ الحربي حلال الدم والمال، بخلاف الذمي فله ذمة معصوم الدم والمال.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من عدم صحة الوقف على الحربيين والمرتدين؛ لأن الوقف قربة، وهؤلاء ليسوا من أهل القربة.

        الأمر الثاني: الوقف على أهل الذمة:

        في الوقف على أهل الذمة، أو على طائفة منهم، كيهود أو نصارى بلدة معينة خلاف بين الفقهاء رحمهم الله تعالى على قولين: [ ص: 429 ] القول الأول: عدم صحة الوقف على أهل الذمة، أو على طائفة منهم.

        وهو مذهب الحنابلة، ووجه في مذهب الشافعية.

        القول الثاني: صحة الوقف على أهل الذمة مطلقا.

        وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والصحيح من مذهب الشافعية وقول في مذهب الإمام أحمد.

        وخصه الحنفية بالفقراء دون غيرهم، وكرهه المالكية على الأغنياء.

        الأدلة:

        دليل القول الأول: (عدم الصحة) :

        يستدل للقائلين بعدم الصحة: بأن الوقف شرع في أصله قربة إلى الله، فلا يصح منه إلا ما تمحض فيه الثواب، والوقف على أهل الذمة عامة أو على طائفة منهم ليس بقربة ولا يستجلب الثواب، بل هو معصية؛ لما فيه من إعانتهم على المسلمين.

        أدلة القول الثاني: (الصحة) :

        استدل القائلون بصحة الوقف على أهل الذمة مطلقا، سواء أكان الواقف مسلما أم ذميا بالأدلة التالية: [ ص: 430 ] 1 - قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم كالمسلمين.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا خاص بالجهة الخاصة، كالواحد، والجماعة المحصورين، دون الجهة العامة، فجهة أهل الذمة جهة معصية.

        2 - أن أم المؤمنين صفية رضي الله عنه وقفت على أخ لها يهودي.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن صفية رضي الله عنها إن ثبت وقفت على قريبها المعين - وهذه جهة خاصة - ؛ لما فيه من البر، بخلاف الجهة العامة جهة أهل الذمة فإنها جهة معصية، فلا يصح الوقف عليها.

        على أن الذي نقل عن صفية رضي الله عنها الوصية وليس الوقف.

        3 - أن المراعى في الوقف التمليك، وأهل الذمة يملكون ملكا محترما، فيصح الوقف عليهم.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول، لما تقدم من أنه يشترط لصحة الوقف إذا كان على جهة عامة أن يكون على بر، ولا يشترط إذا كان على جهة خاصة، لكن يشترط أن لا يتضمن محذورة شرعية.

        * * * [ ص: 431 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية