الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: الوقف على المقابر:

        لو وقف إنسان أرضا على ترميم المقابر جاز ذلك عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية.

        وعند الشافعية: أنه لا يصح الوقف إذا وقف على المقبرة؛ لتصرف غلة الوقف على عمارة القبور.

        قال المتولي: « لأن الموتى صائرون إلى البلى، فلا تليق بهم العمارة » [ ص: 435 ] وذكر الحنفية: أنه يجوز تبعا لوقف المقبرة وقف ما جرت العادة بوقفه من قدوم لحفر القبور وما شابهه.

        كما ذكر الشافعية: أن الوقف يصح على مؤنة الحفارين للقبور.

        وذكر الحنابلة: أنه لا يصح وقف الستور لغير الكعبة، كوقفها على الأضرحة؛ لأنه ليس بقربة، وكذا لا يصح الوقف على تنوير القبر ولا على تبخيره، ولا على من يقيم عنده أو يخدمه أو يزوره؛ لأنه ليس من البر، ولا يصح الوقف على بناء مسجد على قبر، ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجدا.

        قال البهوتي: « لكن في منع الوقف على من يزوره نظر، فإن زيارة القبور للرجال سنة إلا أن يحمل على زيارة فيها سفر » - أو فيها محظور شرعي من بدعة أو شرك - ، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الواقف على المشاهد المبنية على القبور بدعة، لم يكن على عهد الصحابة، والتابعين ولا تابعيهم، بل ولا على عهد الأربعة.

        قال ابن القيم: « وكذلك الحكم في أوقافها، فإن وقفها فالوقف عليها باطل، وهو مال ضائع فيصرف في مصالح المسلمين، فإن الوقف لا يصح إلا في قربة وطاعة لله ورسوله، فلا يصح الوقف على مشهد ولا قبر يسرج عليه ويعظم وينذر له ويحج إليه ويعبد من دون الله ويتخذ وثنا من دونه مما لا يخالف فيه أحد من أئمة الإسلام، ومن اتبع سبيلهم ». [ ص: 436 ]

        والخلاصة: أن الوقف على المقابر لا يخلو من أحوال:

        الحال الأولى: أن يقصد منه مصلحة المقبرة من إصلاح وعناية، ونحو ذلك فلا بأس به؛ لعدم المحظور الشرعي.

        الحال الثانية: أن يقصد منه الغلو في القبور كإسراجها، والبناء عليها، ونحو ذلك كما ذكر شيخ الإسلام، وابن القيم، فيحرم؛ إذ إنه شرك، أو وسيلة إلى الشرك.

        الحال الثالثة: أن يقصد منه نفع الأموات بصرف هذه الأوقاف في صدقات يعود أجرها إليهم فلا بأس به؛ إذ إن الصدقة على الميت جائزة، وسيأتي.

        * * *

        التالي السابق


        الخدمات العلمية